مقتطفات من كتاب : صناعة التفكير العقدي لعدد من المؤلفين


ص
المقتطف أو الفائدة
مقدمة
الكتاب اشترك في تأليفه ستة مؤلفين : سعود العريفي صناعة التأصيل العقدي ، أحمد قوشتي عبدالرحيم : صناعة التوثيق العقدي ، عبدالله العجيري : صناعة الاستدلال العقدي ، ، تميم القاضي : صناعة الرد العقدي ، فارس العجمي : صناعة الجدل العقدي ، عبدالرحمن الشهري : صناعة الدرس العقدي ، وحرره : سلطان العميري
18ـ28

الورقة الأولى : التأصيل العقدي

18
التأصيل العقدي : بناء المسائل العقدية بناءً محكماً موافقاً للأصول الكلية للمنهج الصحيح جارياً وفق قوانين الاستدلال الصحيحة المعتمدة
19
ينبغي للباحث عن الحق أن لا يلتفت لرأي نشأ عليه أو مذهب لُقّنه "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة " " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا ..."
20
كثيرون يستدلون على المخالف بأدلة شرعية صحيحة لا ينازعهم المخالف على صحتها من عدمه ولكن ينازعهم على مشروعية الاستدلال بها أصلاً، ويرى غيرها من الأدلة كقضايا الوجد والكشف مثلاً أولى منها، فما فائدة حشد أدله لا يقرنا المخالف على مبدأ الاستدلال بها! فلا بد من تأصيل أصلها أولاً
21

أهمية الاستدلال العقدي:

·       إظهار الحق بصورته اللائقة به قوة ونصاعة وجمالاً فيبدو بصورة مقنعة حتى لمخالفيه .
·       صيانة العقائد الالهية من الالتباس بالخرافات والعقائد الوضعية المحرفة ، فأبرز فرق  بين الحق والباطل : الحجة والدليل .
·       إعطاء كل مسألة من الدين حجمها اللائق بها من الدين بحسب كثرة أدلتها وصراحتها ويقينيتها ، فلا تستوي مسألة ختم النبوة بمسألة الخلود في النار . وبالتالي لا تستوي الموالاة والمعاداة أو الإعذار والمؤاخدة للمخالف فيهما .
·       تمييز صريح العقائد المعصومة راسخة الثبوت من الاجتهادات والفهوم غير المعصومة ، فيسلم المدافعون عن العقائد عن مواجهات ليسوا مضطرين لها .
·       تصحيح الأخطاء العقدية حتى للمنتسبين للمنهج الحق ، وانظر في ذلك مثلاً مسألة أزلية أفعال الله تعالى أنكرها بعض المنتسبين للسنة والسلف ظنا منهم أنها تؤدي للقول بقدم العالم مع دلالة القرآن الصريحة عليها " إن ربك هو الخلاق ) (فعال لما يريد ) وإفضائها إلى تعطيل الخالق سبحانه في الأزل من كمالاته .
29ـ 167

الورقة الثانية : التوثيق العقدي (منهج وتطبيق ) أحمد قوشتي عبدالرحيم


تاريخ الفرق حافل بالمقولات المرسلة والاتهامات غير المستندة إلى برهان تحولت مع مرور الوقت إلى مسلمات وثوابت نشأ عليها أجيال الدارسين ، دون التحقق من صحتها وثبوتها . حتى نسب للكبار مالم يقولوه
32
وممن نسب له وهو منه براء علي t والحسن البصري وجعفر الصادق وزيد بن علي وجابر بن زيد وأبوحنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم كثير .
فعثمان t زُوِّر عليه كتاباً كان سبباً في تأجيج الفتنة ، ونفس الشيء حصل مع طلحة والزبيرy .
وعلي t من أكثر من كُذب عليه وكما قال الشعبي :"ماكُذب على أحد ما كذب على علي " وكتاب "نهج البلاغة" شاهد واضح على ذلك ، اضافة الى ما اكتضت به كتب الشيعية ككتاب الكافي للكيليني  والتهذيب والاستبصار للطوسي وبحار الأنوار للمجلسي ، من آلاف المرويات المنسوبة لعلي t مع وهائها سنداً ونكارتها متنا .
3ـ 38
الحسن البصري (ت 110) انتحلته المعتزلة والصوفية والشيعة وغيرهم وخصوصاً في مسألة القدر .
 وزيد بن علي (ت 122) تناوشته المعتزلة والزيدية ونسب له كتاب (المجموع) بلا دليل .
وجعفر الصادق (ت148) ابتلي بكذابين كثر وغلوا فيه وادعته فرق الزيدية والصوفية والاسماعيلية أما الشيعة الاثنا عشرية فهو الامام الأبرز عندهم بل ينسب المذهب له فيقال المذهب الجعفري .
ابوحنيفة النعمان (150) دُس عليه كتب ورسائل مثل كتاب (الحيل) بل نُسب له في حياته القول بنفي رؤية الرب حتى قال لمن اتهمه " سبحان الله كيف تـأتي بما لست من قائليه ، والله تعالى يقول :"وجوه يومئذ ناضره ، إلى ربها ناظرة " ولو قلت لا ينظرون لكنت بقول الله U من المكذبين ولكنك حرفت علي قولي " . واتهم كذلك بالقول بخلق القرآن .وقد ثبت عنه ما يخالف ذلك .
وابن قتيبة (ت 276) انتحل عليه كتاب بأكمله وهو كتاب " الإمامة والسياسة ) وامتلأ بمرويات تطعن في الصحابة y
وابوالحسن الأشعري (ت324) ابتلي ــ كما قال ابن تيمية رحمه الله ــ بطائفتين طائفة تبغضه وطائفة تحبه كل منهما يكذب عليه .
وابوحامد الغزالي (ت505) نسبت له كتب كثيرة لا دليل مطلقاً على أنها من تأليفه بل هي مكذوبة ومنتحلة ومن يقرأ كتاب مؤلفات الغزالي للدكتور عبدالرحمن بدوي يهوله هذا الكم الكبير من الكتب المفتراة على شخصية واحدة .
وفي مقدمة كتابه الاعتصام ذكر الشاطبي (ت 790) قائمة طويلة من التهم التي وجهت إليه لما أنكر البدع ، وحث على اتباع السنة فتارة نسب إلى الرفض وبغض الصحابة بسبب عدم التزامه ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة وتارة نسب إلى معاداة أولياء الله بسبب انكاره على بعض الفقراء المبتدعين وغير ذلك .
وابن تيمية رحمه الله (ت 728) زورت عليه كتب في حياته تتضمن عقائد منحرفة وقال :" بلغني أنه زُوّر علي كتاب إلى الأمير ركن الدين ..." ، وادعي عليه أنه يراسل التتار ويتحالف معهم ، حتى وصل الكتاب إلى نائب السلطان في الشام فعرف أنه مفتعل ففحص عن واضعه فإذا هو فقير معروف بالشر والفضول فعزره ، وادعي عليه أنه يطلب الملك فأحضره الملك الناصر بين يديه فقال له  ابن تيمية "أنا أفعل ذلك ؟ والله إن ملكك وملك المغل لا يساوي عندي فلسين ، فتبسم السلطان وأجابه في مقابلته بما أوقع الله له في قلبه من الهيبة العظيمة : إنك والله لصادق ، وإن الذي أوشى بك إلى لكاذب . واتهم كذلك بالتجسيم والقول بقدم العالم .
واتهم ابن حبان بالزندقة ، وابن حزم بالنصب ، وممن اتهم بالتشيع بناءً على كلام لم يصح عنهم أو صح وله توجيه معتبر : الشافعي ومحمد بن اسحاق وسفيان الثوري وعبدالرزاق الصنعاني والنسائي وابن جرير الطبري وغيرهم الكثير .
ويندر أن تجد عالماً مصلحاً إلا وتجد أنه يرمى بالتهم الباطلة
39

أبرز الضوابط المنهجية لنسبة الآراء لأصحابها


الضابط الأول : التثبت في نقل الآراء والدقة في حكايتها عن أصحابها :



 

1.     الوقوف على كلام العالم ورأيه من خلال كتبه الصحيحة النسبة إليه ، أو من النقل الموثق عنه ، أو من تلاميذه الآخذين عنه .
2.     حسن الفهم لكلامه ، وإدراك المراد منه على الوجه الصحيح وفقاً لقواعد اللغة ودلالاتها المعتبرة ، دون تعسف او اجتزاء أو تحميل للكلام ما لا يحتمل .
3.     الدقة في النقل والعزو إلى صاحبه كما صرح به دون زيادة او نقصان أو الزامه بما لا يلزم .
في هذا الضابط نورد عددا من أدلة القرآن "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ..... " . " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " "ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين " . " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن .... " ."قتل الخراصون " ."ولا تقف ما ليس لك به علم " ."ومالهم به من علم ان يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " .
وقال r " كفى بالمرء اثماً أن يحدث بكل ما سمع " " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " ." بئس مطية الرجل زعموا "
47

الضابط الثاني : عدم نسبة الآراء بالاستنباط وإنما لا بد من التنصيص الصريح

49

وهو متمم للضابط قبله .

ومن الطرائف في ذلك

يحكي ابن تيمية مجلساً حضره بنفسه ذكر فيه كبير القضاة أن  مذهب الشافعي في هذه المسألة كيت وكيت ، فلما روجع في ذلك وطلب منه اثبات نسبته للشافعي  قال : هذا قول العقلاء والشافعي عاقل لا يخالف العقلاء .
ومن ذلك أن ابوحنيفة قال في الطلاق : من قال لامرأته : شئت طلاقك ونواه طلقت ، ولو قال أردته أو رضيته ونواه لا يقع الطلاق . وهو يتكلم عن مسألة فقهية بحتة فاستنبط منه بعضهم أن ابوحنيفة يفرق بين صفة الإرادة وصفة المشيئة لله تعالى وأنه جعل صفة الإرادة من جنس صفة المحبة والرضا . وهذا قياس أصل عقدي على فرع فقهي يختلف المقيس والمقيس عليه .
ومن ذلك أنه نسب لأبي زيد القيرواني إنكار كرامات الأولياء استنباطاً من  حملته الشديدة على من يدعي خوارق العادات من الصوفية حتى الف في الرد عليه كثير من أهل الأندلس وأهل المشرق .
56

الضابط الثالث : التفرقة بين مقام تقرير المعتقد وتأصيله ومقام الرد والمجادلة


لأنها لا تخلوا من الزامات وأساليب جدليه تعنى ببيان فساد قول الخصوم أكثر من عنايتها ببيان القول الحق ، ولأنه نوع من النزال والخصومة ومقارعة الحجة بالحجة ، وقد انتبه ابن تيمية لذلك فقال :"فإن كثيراً من المنتسبين إلى السنة ردوا ما تقوله المعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع بكلام فيه أيضاً بدعة وباطل ، وهذه طريقة يستجيزها كثير من أهل الكلام ، ويرون انه يجوز مقابلة الفاسد بالفاسد ، لكن أئمة السنة والسلف على خلاف هذا "
واعترف كثيرٌ من منظري المذهب الاعتزالي بأن ما صدر عن ائمتهم من أقوال لم يكن عن اعتقاد حقيقي وإنما في سياق مناظرة الخصوم ومجادلتهم ومحاولة الظفر عليهم بكل سبيل ممكن ، لذا فلا ينسب لهم تلك الآراء كما لو كانت من صميم معتقدهم .
ومن الأمثلة الواضحة في ذلك ما قيل في ابن تيمية من أنه ناصبي أو يبغض علياً t آخذا ذلك من كتاب ابن تيمية "منهاج السنة النبوية " وهي كلها في سياق رده على الشيعة الامامية وابطال مذهبهم وبيان ما يلزمه من لوازم وأن كل ما اتهموا به أحد الخلفاء الثلاثة أو غيرهم من الصحابة يمكن أن يقال مثله في حق علي t ، وممن اتهم ابن تيمية بذلك :  السبكي ، وابن حجر العسقلاني ، وابن حجر الهيثمي والكوثري والغماري والف د.محمد السيد صبيح كتاباً في ذلك (أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله وأهل بيته ) بينما نجد لابن تيمية عشرات الأقوال في مدح علي وأهل البيت والدفاع عنهم
61

الضابط الرابع : جمع مقالات العالم وحسن فهما وحملها على أحسن المحامل


ليس كافياً أن أتأكد من نسبة القول لصاحبه ، وفي ذلك نقول :
·       إن من العدل الذي أمر الله به أن لا نجتزأ قولاً في المسألة قاله ونترك أقوالاً أخرى قالها في نفس المسألة والتي ربما وضحت المراد من قوله أو قيدت اطلاقة أو خصصت عمومه أو دفعت إشكالاً متوهما .
·       العلماء الموسوعيين الذين الفوا في عدة فنون تؤخذ أقوالهم في العقيدة من كتب العقيدة وكذا آراؤهم الفقهية من كتب الفقه وهكذا
·       من الضروري معرفة السياق والضرف التاريخي الذي قيلت فيه المقالة أو الفتوى ، وهل كانت تمثل حكماً عاماً أم تعاملاً في ظرف معين له خلفيات وأسباب ، وهناك مواقف جعلت بعض العلماء يتخذون مواقف شديدة أو اطلاق عبارات حادّة . تتناسب مع رؤيتهم لخطر مذهب أو مقاله (وقد جاءت الشريعة بمراعاة الظروف والأحوال حتى في الحدود كما حكم عمر في عدم القطع في سنة المجاعة ، وكما يُشدد في الحكم اذا انتشرت جريمة من الجرائم وأراد الحاكم قطع دابرها في المجتمع )
·       حسن فهم كلام العالم وفق العرف اللغوي والاصطلاحي الشائع في عصره وليس وفقاً لعرف أو تصور دلالي لاحق ، قال ابن القيم رحمه الله " والكلمة الواحدة يقولها اثنان ، يريد بها أحدهما أعظم الباطل ، ويريد بها الاخر محض الحق ، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه ، وما يدعو إليه ويناظر عليه "
·       إحسان الظن ما أمكن وحمل الكلام على أحسن محامله ورد المتشابه أو المجمل إلى الواضح  والمحكم ، وعدم ادانة شخص بنص واحد محتمل وهدر عشرات النصوص الواضحة ، وعدم التفتيش في النوايا وتحميل الكلام مالا يحتمل ، والتفريق بين زلة اللسان وسبق القلم والخطأ المتعمد ، " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً " " يا أيه الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن اثم " " اياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "
وكان ابن تيمية رحمه الله يقول في أواخر أيامه : أنا لا أكفر أحداً من الأمة ، ويقول : قال النبي r "لايحافظ على الوضوء إلا مؤمن " فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم .
66

الضابط الخامس : مراعاة القول الأخير للعالم وعدم إلزامه إلا بما استقر عليه من رأي


ومن الأمثلة على ذلك : الغزالي رحمه الله حيث انتقل بين عدة مذاهب كلما ظهر له بطلان مذهب تركه فخاض في الفلسفة وظهر له بطلانها فتركها ثم انتقل إلى علم الكلام فأتقن أصوله وفروعه ثم رجع عنه بعد أن عرف فساده وذمه ، ثم سلك مسلك الباطنية ثم رجع عنه بعد أن عرف تلاعبهم بالنصوص ، وكان في آخر حياته كما قال تلميذه عبدالغافر الفارسي :"وكانت خاتمة أمره اقباله على حديث المصطفى r ومجالسة أهله ومطالعة الصحيحين  الذين هما حجة الإسلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك بيسير من الأيام ، وقد اعتذر له ابن تيمية رحمه الله أنه لم يجد في بيئته من يدله على السنة وأهلها ) .
وفي مجال الفقه انتشر للشافعي مذهبين مذهبه في العراق (القديم) ثم مذهبه في مصر (الجديد) لما صح عنده أحاديث جديدة وتغيرت أحكام بناءً على بيئة جديدة ، وأسد بن الفرات انتقل من المذهب الحنفي إلى المالكي ، والطحاوي من الشافعي إلى الحنفي ، وابن حزم من الشافعي إلى الظاهري والخطيب البغدادي من الحنبلي إلى الشافعي .
فمقتضى العدل أن لا ينسب للعالم إلا ما انتهى إليه من رأي ِ، أو يشار للرأيين إن لم يعرف المتأخر منهما .
ومن الأمثلة على ذلك : ما نسب إلى الحسن البصري رحمه الله القول بالقدر والظاهر أنها غير صحيحة ، أو كلمات أطلقها فأخذت منه على غير مراده أو كما قال الذهبي " هفوة ورجع عنها " .
ونعيم بن حماد المحدث المعروف كان جهمياً نافياً للصفات ثم انتقل لمذهب أهل الحديث وقال عن تحوله " كنت جهمياً فلذللك عرفت كلامهم فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل " .
وأبو الحسن الأشعري بقي معتزلياً قريباً من اربعين سنة ثم انخلع عنه والف العديد من الكتب في نقده ، وقد اعتزل في بيته خمسة عشر يوماً ثم خرج للناس واعتلى المنبر وقال :معاشر الناس إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل فاستهديت بالله تعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه ،  وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده ،كما انخلعت من ثوبي هذا ، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب ‘لى الناس " .
وابن عقيل الحنبلي اتهم بموافقة المعتزلة وتأويل الصفات ، مما جعل الحنابلة ينكرون عليه أشد الإنكار ، لكنه رجع عن ذلك في أواخر عمره ، كما صرح بذلك هو نفسه فقال : " إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب مبتدعة الاعتزال وغيره ، ومن صحبة أربابه ، وتعظيم أصحابه ، والترحم على أسلافهم والتكثر بأخلاقهم ، وما كنت علقته ووجد بخطي من مذاهبهم وضلالتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته ولا تحل كتابته ولا قراءته ولا اعتقاده " ثم صنف في الرد عليهم .
وفي العصر الحديث رشيد رضا رحمه الله كان في مقتبل عمره متأثراً بالبيئة الصوفية الكلامية التقليدية ، ثم تعرف على شيخه محمد عبده وتابعه في الكثير من آرائه ،لكنه في آخر عمره صار أميل كثيراً ‘لى  المذهب السلفي .
وكان عبدالرحمن الوكيل صوفياً في مطلع حياته ثم تعرف على جماعة أنصار السنة فصار من أشد أعداء التصوف فصار من أشد المهاجمين له فكراً وسلوكاً وشخصيات .
ومن أعلام الشيعة الذين انتقلوا لمذهب أهل السنة ، أو بقوا على المذهب مع توجيه النقد الكثير للشيعة والتشيع ، ابوالفضل البرقعي ، وأحمد الكسروي ومحمد الياسري ومحمد مهدي الخالصي ، والخويني ، وموسى الموسوي وأحمد الكاتب .
وفي المقابل حرص الشيعة على تضخيم تشيع بعض المغمورين من أهل السنة مثل صائب عبدالحميد ومحمد التيجاني السماوي وأحمد راسم النفيس وصالح الورداني وهشام آل قطقط ، وغيرهم .
وعلى المستوى الفكري نجد خالد محمد خالد يتراجع عن كتابه " من هنا نبدأ " ويقر بأن الإسلام دين ودولة ، ومصطفى محمود يتراجع عن كتابه "الله والإنسان " ثم يؤلف "حوار مع صديقي الملحد " و " رحلتي من الشك إلى اليقين " ويتبنى التوجه الإسلامي مع ميل إلى التصوف واهتمام بقضايا الاعجاز العلمي .
ويتراجع كل من المستشار طارق البشري ومحمد عماره وعادل حسين وغيرهم الكثير من التأثر بالفكر الماركسي إلى تبني الفكرة الاسلامية بمفهومها العام .
74

الضابط السادس : لازم المذهب ليس بمذهب


لازم المذهب ليس بمذهب الشخص إلا إذا قُرر به فأقر أما إذا أنكره صراحة أو سكت عنه فلم ينكره أو يدعيه فلا يُنسب له .
وقد أسرف المتكلمون في الأخذ بالإلزام ولعل طبيعة مذهبهم الجدلي هو الذي قادهم لذلك .
فمنها اتهامهم المعتزلة بالقول بقدم العالم لقولهم بشيئية المعدوم أي أن المعدوم شيء ، ومع خطأ هذا القول إلا أن الزامهم بالقول بقدم العالم تعسف ظاهر كيف وهم ينكرونه حقيقة بل من أشد المنكرين له .
ومن الإلزامات الخطيرة اتهام  بعض الأشاعرة بأنهم يقولون بأن نبوة محمد r انتهت بموته لقولهم أن النبوة عرض من الأعراض والعرض لا يبقى زمانين ، علاوة على أن هذا القول نُسب للأشاعرة عن طريق بعض خصومهم ممن رتبوا عليه أحكاماً خطيرة وصلت حد التكفير حتى جعلها عبدالواحد المقدسي من مسائل الامتحان التي يفرق بها بين السني والبدعي .
وقد سب ابن حزم الأشاعرة سباً لا ذعاً لهذا القول فقال : حدثت فرقة مبتدة تزعم أن محمد ليس هو الآن رسول الله r وهذا قول ذهب إليه الأشاعرة ... وهي مقالة خبيثة ... ونعوذ بالله من هذا القول فإنه كفر صراح "
ويقول المؤلف إن سبب شيوع هذا المذهب عن الأشاعرة هو الزامهم بلازم مذهبهم ولم يصرحوا به بل نفا أئمة مذهبهم هذا القول عنهم أي أن رسالة محمد r تنتهي بموته ، وقد قال القشيري عنهم  " بأن هذا بهتان عظيم وكذب محض لم يقله منهم أحد ولا سمع في مجلس مناظرة ذلك عنهم ولا وجد ذلك في كتاب لهم . وقال الباقلاني وهو أحد أعلامهم " يجب أنيعلم أن نبوات الأبياء لا تبطل ولا تنخرم بخروجهم عن الديا وانتقالهم إلى دار الآخرة .... ثم رد على من زعم أن هذا من قول الأشاعرة "
ومن نماذج الالزامات اتهام ابن تيمية رحمه الله أنه يقول بقدم العالم بناء على مذهبه في مسألة تسلسل الحوادث وقوله بإمكان حوادث لا أول لها " ولسنا بصدد مناقشة صحة القول من عدمه ولكن الزام شخص بلازم لم يقله وترتيب حكم عليه هما ما لا يصح بحال خصوصاً مع تعدد نقولات ابن تيمية على انكار ذلك فقد قال : " لا قديم إلا هو سبحانه وهو وحد الخالق لكل ما سواه وكل ما سواه مخلوق"
وفي العصرالحديث نج الشيخ محمد زاهد الكوثري شديد التعصب على خصومه السلفيين ومن ذلك مثلاً : أنه يرى أن قولهم بحرمة شد الرحال لغير المساجد الثلاثة يلزم منه تحريمهم لزيارةقبرة r مطلقاً ،وقولهم بإثبات الصفات الخبرية يلزم منه حلول الحوادث بذات الله تعالى ، ويتهم مثبتي الصفات الخبرية بالتشبيه والتجسيم .
ونود أن نشير أنه مع التأكيد أن لازم المذهب ليس بمذهب إلا أن هذا لا يعني عدم ذكر اللوازم الباطلة لقول أو مذهب ما لا سيما في مقام الجدال والمناظرة ، فإن المقصد منه بيان خطأ القول وشناعته وما يترتب عليه فقد ينتبه ويرجع عنه .
فالقدري يفر من لازم كون الله يضل من يشاء فيقع في لازم كونه يقع في ملكه ــ سبحانه ــ ما لا يشاء ، وكذلك منكر الصفات يفر من التشبيه بزعمه فيقع في التعطيل .
83

الضابط السابع : عدم قبول كلام الأقران بعضهم في بعض


فلا بد من التثبت الشديد والحرص الزائد في قبول أقوال المتعاصرين في زمن واحد أو ضمهم عيش مشترك في بلد بعينه ، وليس معنى هذا عدم قبول عالم في عالم من معاصريه ولكن نعني به عدم قبول طعن القرين في قرينه إذا لم يكن عليه دليل ، قال ابن عباس t "استمعوا كلام العلماء ،ولا تصدقوا بعضهم على بعض ، فو الذي نفسي بيده لهم أشد تغايراً من التيوس في زربها " وقال مالك بن دينار " يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم على بعض فإنهم أشد تحاسداً من التيوس " لا سيما إذا وجد منهم تحاسد أو عداوة.
وقد وجد طعن بين الإمام مالك رحمه الله وابن اسحاق عالم السير رده بعضهم إلى أن ابن اسحاق شكك في نسب مالك وقال انه مولى لبني تيم قريش .
ويقال نفس الشيء عن قول أهل بلد في أهل بلد آخر كقول بعض أهل الحجاز في أهل العراق أو اهل الشام في أهل الحجاز .... ونحو ذلك .
ومن نبل الإمام البخاري رحمه الله وسلامة صدره أنه لم يعامل خصومه بما عاملوه به بل أخرج لهم في صحيحه فقد كان الذهلي يقول عن البخاري أنه متروك (وهي نسبة عجيبة إذ كيف يكون كذلك وهو حامل لواء أهل السنة في الصناعة الحديثية ) وكان يطرد من يجلس عند البخاري فلم يجرحه البخاري بشيء أبدا بل أخرج له في صحيحه .
89

الضابط الثامن : التفرقة بين قول الإمام وأقوال المنتسبين له


فلا يصح نسبة أقوال تابعي للإمام له ما لم يقلها صراحة ولو كان شائعا في المذهب ، فقد كثر الخلط في كتب المذاهب والمقالات بين أقوال الإمام ورأي أتباع مذهبه .
وأمثلة الخطأ كثيرة جداً ، بل هناك فرقاً كثيرة تنسب نفسها لأمام معين دون وجود دليل صحيح على هذه النسبة ، مثل انتساب الزيدية لزيد بن علي ، وانتساب الإباضية لجابر بن  زيد ، وانتساب الشيعة الإمامية لجعفر الصادق وزعمهم انهم يأتمون به .
وينتسب كثير من الماتريدية لأبي حنيفة وكثير من الأشاعرة للشافعي وهم يخالفونهم في الاعتقاد
93

الضابط التاسع : الحذر من تعميم وتحميل المذهب بأكمله تبعة قول أحد المنتسبين له


أما إذا جئنا للمذهب نفسه وليس امامه فكيف نعرف قول مذهب معين ؟
يؤخذ رأي كل مذهب من كتب المؤسسين له والمنظرين البارزين الذين صاغوا فكر المذهب ، فالاتجاه السلفي يؤخذ مثلاً من كتب البخاري والطحاوي واللالكائي وابن تيمية وابن القيم ، وآراء المعتزلة تعرف من كتب : الجاحظ والزمخشري والخياط والقاضي عبدالجبار ، وآراء الأشاعرة تعرف من كتب : الأشعري والباقلاني وابن فورك والجويني والغزالي والرازي والآمدي وهكذا بقية المذاهب .. والاتجاهات .
فيؤخذ رأي المذهب إذا ما عرف من كتبهم كلهم أو جلهم ومعروف أن كل مذهب لا يخلو من آراء فردية لبعض منظريه ولا يعبر عن الرأي الشائع في المذهب .كما قال سبحانه "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم ساجدون" وقال سبحانه "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائما" .
ومن أمثلة ذلك ما نسبه بعض مؤرخي الفرق للمعتزلة من انكارهم لعذاب القبر (كما ذكر ذلك عنهم الأشعري في الابانه )، وهو رأي شاذ قال به بعضهم كضرار بن أوس وبشر المريسي ... وأنكره الكثير منهم .
ومن الأمثلة اتهام بعض السلفيين المعاصرين لجميع طوائف الصوفية أنهم يقولون بوحدة الوجود أو الحلول والاتحاد ، وممن تبناه من السلفيين محمد حامد الفقي وعبدالرحمن الوكيل وهو قول للغلاة منهم فقط .
101

الضابط العاشر : وجوب الإنصاف وترك التعصب والغلو


جميع الضوابط السابقة إن لم تحط بسياج من الأخلاق فلن تؤتي ثمارها
"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا"
" يا أيه الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "
"إن المقسطين على منابر من نور على يمين الرحمن U وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا "
ولس خلق الإنصاف مقصوراً على المسلم ، بل المسلم والكافر واليهودي والنصراني ... " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين " .
" ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون "
وعلى الرغم من أهمية الأنصاف إلا أن الواقع يشهد أنه عزيز نادر ، وأن أهله هم الأقلون وأن جمهور الناس ــ إلا من رحم الله ــ أصحاب هوى وعصبية مستحكمة ،ومدفوعون في أقوالهم وأحكامهم بمواقف مسبقة ، وبتحيز واضح ، فإن أحبوا شخصاً كالوا له المديح ، ورفعوه إلى عنان السماء ، وإن كرهوا آخر أسرفوا في ذمه ووسموه بكل عيب ونقيصة .
قال الامام مالك : "ما في زماننا شيئا أقل من الإنصاف "
ومن مظاهر الظلم وعدم الإنصاف أن أكثر الفرق تحكي الشر عن المخالفين وتكتم الخير بل ربما روت عنهم الكذب والبهتان ، ومن وافقوه مدحوه وأثنوا عليه ومن خالفهم سلقوه بألسنة حداد .
وليس ذلك في أمور العقيدة فحسب بل في أمور الفقه وفي أتباع جميع المذاهب الأربعة نقلها المؤلف ص 105 تركت نقلها استبشاعاً لها .
ومن الأمثلة المشرقة في العدل مع الخصوم : ان ابن حزم رحمه الله كان يثني ثناءً عاطراً على ابن عبدالبر وابي الوليد التاجي رغم ما كان بينهما من خصومة ومناظرات وتلاسن ، بل مدح كتاب التمهيد لابن عبدالبر بأنه لا يعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً فكيف بأحسن منه ، وقال عن الباجي بأنه لم يكن لصحاب المذهب المالكي بعد عبدالوهاب مثلة .
وابن تيمية رغم عداوته الشديدة للشيعة وتأليفه كتاباً في الرد على مذهبهم يرد على من يقول بأنهم أكفر من اليهود والنصاري ويقول: كل من كان مؤمناً بما جاء به محمد r فهو خير من كل من كفر به وإن كان فيه نوع من البدعة .... الخ . ويقول عن المعتزلة " وإن كانت أقوالهم متضمنة لبدع منكرة ، فإن فيهم من العلم والدين ، والاستدلال بالأدلة الشرعية والعقلية والرد على ماهو أبعد عن الإسلام منهم من أهل الملل  والملاحدة ... الخ . ورغم انتقاده الشديد للرازي رحمه الله فلم يتهمه في نيته وقصده بل برأه من تهمة تعمده نصرة البالطل لأنه ما رجّح إلا ما انتهى إليه علمه ونظره . ورغم اعتقاده بطلان عقيدة الحلاج فقال عنه : وقد رأيت أشياء كثيرة منسوبة إلى الحلاج من مصنفات وكلمات ورسائل ، وهي كذب عليه لا شك في ذلك ، وإن كان في كثير من كلامه الثابت عنه فساد واضطراب ، لكن حملوه أكثر مما حمله .
أما الذهبي رحمه الله فكان مثالاً في العدل والإنصاف مع كل من يترجم عنه ويقرر أصلاً عاماً فيقول " الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه الحق ، والتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، يغفر له زلله ، ونضلله ونطرحه ، وننسى محاسنه ، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك " .
وعندما نقل حكم بعض أهل العلم على بشر المريسي بأنه كافر علق فقال : " من كُفّر ببدعة وإن جلت ، ليس هو مثل الكافر الأصلي ، ولا اليهودي والمجوسي ، أبي الله أن يجعل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر ، وصام وصلى وحج وزكى ، وإن ارتكب العظائم وضل وابتدع ، كمن عاند الرسول وعبد الوثن ، ونبذ الشرائع وكفر ،ولكن نبرأ إلى الله من البدع وأهلها " .
وقال عن التابعي والمفسر الكبير قتادة رحمه الله "أنه كان يرى القدر ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته ، وحفظه ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه والله حكم عدل لطيف بعباده ، ولا يسأل عما يفعل "
169

صناعة الاستدلال العقدي : عبدالله بن صالح العجيري


ليس للإنسان أن يعتقد شيئا دون برهنة وتدليل " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" " قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين " فتأمل كيف طالبهم الله بالدليل العقلي أو النقلي .
والمقصود من هذا المبحث الإشارة لجملة تنبيهات لتجديد مسلك الاستدلال العقدي وضمان تماسكه وإحكامه .
مفهوم الاستدلال العقدي : طلب الدليل لقول عقدي بحيث يصل إلى قناعة بصحة القول أو بطلانه أو رجحانه أو يتوقف فيه .
174
مثال :  الاستدلال على رؤية الله تعالى يوم القيامة ببقوله سبحانه " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة " واضح وصريح الدلالة ، وبقوله تعالى " كلا إنهم عن ربهم لمحجوبون " أقل صراحة ووضوحا ، وبقوله تعالى " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " أشد خفاءً ، وفي قوله سبحانه في قصة موسى " لن تراني " في اثبات الرؤية يوم القيامة له سبحانه وتعالى جوانب عبقرية تجدها حاضرة عند ابن حزم وابن تيمية رحمهم الله في قلب الأدلة على الخصوم .
ومن الأمثلة الطريفة في ذلك استدلال ابن تيمية بالكذب على رسول الله r بقوله " سيُكذب علي " فقال فإن كان الحديث صدقاً فلا بد أن يكذب عليه ، وإن كان كذباً فقد كُذب عليه " .
181

مالغرض من الاستدلال العقدي :

1ـ الانتصار للحق وإظهاره ، لا مجرد إبطال قول الخصم كطريقة الغزالي التي يقول فيها " لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مطالب منكر ، لا دخول مدع مثبت "
2ـ مجادلة الخصم لمحض المجادلة أو رد ما عنده من الحق طريقة مذمومة ، بل هي تأسيس لمناظرة وجدل تقوم على الجهل والظلم.
182

التناسب بين قوة الدليل العقدي وطبيعة القضية العقدية :

الأصول العقدية الكبرى من قبيل الضرورات الدينية مثلاً لا يصح أن يتم الاستدلال عليها بالأدلة الظنية المحتملة ، أو المشتبهة فينبغي أن تكون أدلته من جنسه من القطعيات الواضحات ، وخذ مثلا ًاستدلال أصحاب الكلام على وجود الله بدليل حدوث الأجسام وهو كما وصفه ابن تيمية كلحم جمل غث على رأس جبل وعر ، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل ، ومن طوله ينقطع دونه السالكون قبل الوصول ، ومقدماته إما مشتبهة يقع النزاع فيها أو خفية لا يدركها إلا الأذكياء ، ولذلك قليل ما يتفق اثنان من الفلاسفة على مقدمات دليل واحد إلا في النادر .
والحق واضح بين لا يحتاج لكل هذا ، كما قال شاعر : وإني وإني ثم إني وإنني         إذا انقطعت نعلي جعلت لها شسعا

فالبيان والوضوح والقطعية سمات أساسية في أدلة أصول الاعتقاد الكبرى ، أما ما يدخل في فروع الاعتقاد فله شأن آخر من جهة طبيعة أدلته .

185

الأصل في أدلة الوحي كفايتها في إثبات العقائد :

كما قال سبحانه وتعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " فالقضايا العقدية غنية عن المقدمات والأدلة الأجنبية .
وامتدح الله كتابه بالتفصيل والبيان في غير ما آية فقال " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " " وما من دابة ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء " " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون " " وكل شيء فصلناه تفصيلا " والقرآن فيه الكفاية " اولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ؟ "
193

ما حكم من تعود على طرق معينة في الاستدلال والفها وغيرها أفصح منها ؟

مما قاله ابن تيمية رحمه الله في أمثال هؤلاء : فكثير من الناس قد يألف نوعاً من النظر والاستدلال فإذا أتاه العلم على ذلك الوجه قبله وإذا أتاه على غير ذلك الوجه لم يقبله وإن كان الوجه الثاني أصح وأقرب ؛ كمن تعود للسفر على طريق معين موحش بعيد لكنه الفه وغيره أكثر أمناً وأقرب مسلكا لا لشيء إلا للعادة والإلفة ، وهو مثل من يحب أن يكون تلقيه العلم من طرق خفيه لا يفهمها أكثر الناس أحب إليه من الطرق الواضحة التي يشركه فيها الجمهور ، وكلما كانت العبارة أبعد عن الفهم كانوا لها أشد تعظيما ؛ وهذا حال الأمم الضالة كلما كان الشيء مجهولاً كانوا له أشد تعظيما ، وهو موجود في المطاعم والمشارب والملابس والعادات لما في النفوس من حب الرياسة ؛ إلى أن يقول : والقرآن لا يذكر فيه مخاطبة كل مبطل بكل طريق ولا ذكر كل ما يخطر بالبال من الشبهات وجوابها فإن هذا لا نهاية له ولا ينضبط وإنما يذكر الحق والأدلة الموصلة إليه لذوي الفطر السليمة (بتصرف)
196

فساد الدليل لا يقتضي فساد المدلول :

بطلان الدليل المعين ليس دالاً على بطلان المدلول ، كما أن صحة المدلول لا يلزم منه تصحيح كل دليل مستعمل في الدلالة عليه .
وفساد قول المخالف لا يلزم منه بالضرورة صحة القول الآخر ؛ إذ يحتمل وجود قول أو أقوال أخرى أصح منها ، لا بمجرد ابطال قول الخصوم فقد يكون الحق في قول ثالث .
196

الاستدلال للمبادئ الفطرية الأولية :

المبادئ الفطرية الأولية يستدل بها ولا يستدل  عليها ، وهي مثل : الجزء أصغر من الكل (فربع التفاحة لا يمكن أن يكون أكبر من التفاحة كاملة ) ؛ والمتناقضات لا يمكن أن يجتمعن (فلا يمكن أن يكون الشخص موجود بجسمه وغير موجود في ذات الوقت ....الخ )
والعلوم الضرورية إليها مرجع الاستدلال وإلا لزم الدور ، يقول ابن تيمية : كل علم ليس بضروري لا بد أن ينتهي إلى علم ضروري ، فلا بد للإنسان من علوم ضرورية بدهية  جعلها الله ابتداءً في قلبه
200

المبحث الثاني : الاستدلال العقدي : الأهمية والأخطار :


أهميته :

·       الوصول للإعتقاد الحق الصحيح
·       توفير آليات وأدوات الإقناع بصحة التصور العقدي ، فلا تقام الحجة بمجرد البهرجة والكلام المرتب دون حجة ولا برهان
·       تحقيق العبودية بإقامة المعتقد على الأدلة والبراهين الصحيحة لا على متابعة الآباء والأجداد .
·       إصابة الحق بدليله ، كما ورد في الأثر : من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ
·       تحقيق وحدة الصف واجتماع الكلمة ؛ بالتوافق على منهج الاستدلال الشرعي " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات " " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء " ؛ يقول ا لأصبهاني رحمه الله مستدلا على أن منهج أهل السنة هو الحق " ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق ، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم ،وتباعد ما بينهم في الديار ،وجدتهم على وتيرة واحدة ونمط واحد يجرون فيه على طريقة واحدة لا يحيدون عنها ، ولا يميلون فيها ، قولهم واحد ونقلهم واحد ، لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقا .... وهل على الحق دليل أبين من هذا ؟ "
203

تشوف الشريعة لتصحيح مسلك النظر :

الشريعة متشوفة لتصحيح مسلك النظر أكثر من تشوفها لإصابة الحق في أفراد المسائل ؛ ولذا قال النبي r " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجره .
ولذا قال ابن تيمية رحمه الله " من اجتهد من أمة محمد r وقصد الحق فأخطأه لم يكفر ، بل يُغفر له خطؤه ، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ــ أي في مسائل الكفر ــ ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد تكون له حسنات ترجح سيئاته "
205

من ابتغى الحق من غير طر يقه وقع في التيه :

يقول الرازي وهو من كبار المتكلمين كاشفاً عن تجربة شخصية من الحيرة والاضطراب والطمأنينة العقدية :
نهاية اقدام العقول عٍقال      وأكثر سعي العالمين ضلال               وأرواحنا في وحشة من جسومنا      وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا    سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا     فكم رأينا من رجال ودولة         فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها      رجال فزالوا والجبال جبال
وقال " لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات " الرحمن على العرش استوى " " اليه يصعد الكلم الطيب " وأقرأ في النفي " ليس كمثله شيء " " ولا يحيطون به علما"  ثم قال : ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي .

ومن مخاطر ترك طرق الاستدلال الشرعية الصحيحة :

أنها تفتح المجال للاستطالة على الحق ولذلك قال ابن تيمية " فسالكوها لا للإسلام نصروا ولا لأعدائهم كسروا بل سلطوا الفلاسفة عليهم وعلى الإسلام "  وقال " فإن قوماً أرادوا بزعمهم نصر الشرع بعقولهم الناقصة ، وأقيستهم الفاسدة فكان ما فعلوه مما  جرأ الملحدين أعداء الدين عليه ، فلا للإسلام نصروا ولا لأعدائه كسروا "
207

المبحث الثالث : الاستدلال العقدي مقدمات ومنطلقات (شروط ايمانية وأخلاقية)

1ـ تجريد النفس من الهوى :
يجب على الإنسان أن يستدل ثم يبني لا العكس ، فلا يعتقد ثم يبحث عن ما يسوغ  به اعتقاده ، يقول الشيخ محمود شلتوت " وقد يكون الناظر في الأدلة ممن تمتلكهم الأهواء فتدفعه إلى تقرير الحكم الذي يحقق غرضه ثم يأخذ في تلمس الدليل الذي يعتمد عليه ويجادل به ، وهذا في الواقع يجعل الهوى أصلاً تُحمل عليه الأدلة ،ويحكم به على الأدلة ، وهذا قلب لقضية التشريع وإفساد لغرض الشارع من نصب الأدلة " .
وللمؤلف فصل في كتابه : ينبوع الغواية بعنوان محركات الأفكار هذه عناوينها :
الف القول ، محبة المتبوع ، كراهية المخالف ، العجب والغرور ، التقدم والرياسة ، المال والعيشة ، مراعاة لمذهب ، تعصب لطائفة ، حسد المخالف ، نشأة على رأي (نفس الأول) ، اختيار متقدم ، ويشملها كلها مسمى (الهوى) .
فإن لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون أهواءهم"
يقول المعلمي رحمه الله في تجربة شخصية له : وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي فيلوح لي فيه معنى ، فأقرره تقريراً يعجبني ، ثم يلوح لي ما يخدش في ذلك المعنى ، فأجدني أتبرم بذلك الخادش وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب ، وإنما هذا لأني قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرت أهوى صحته ، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس ، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش ؟ فكيف لو لم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر اعترض علي به ؟ فكيف لو كان المعترض ممن أكرهه ؟ "
نُسب إلى عمر بن عبيد في موقفه من حديث الصادق المصدوق والمخالف لتصوره في مسألة القضاء والقدر قوله " لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ، ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أجبته ، ولو سمعت عبدالله بن مسعد يقول هذا ما قبلته ، ولو سمعت رسول الله r يقول هذا لردته ، ولو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له : ليس على هذا أخذت ميثاقنا "
يقول الزركشي رحمه الله في بيان أثر الهوى في تحصيل العلوم " واعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة ، ولا يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة ، وفي قلبه بدعة ، أو إصرار على ذنب ، أو في قلبه كبر أو هوى ، أو حب الدنيا ، أو يكون غير متحقق الإيمان أو ضعيف التحقيق ، أو معتمداً على قول مفسر ليس عنده إلا علم بظاهر أو يكون راجعاً إلى معقوله ، وهذه كلها حجب وموانع وبعضها آكد من بعض .
2ـ ضرورة تعظيم الدليل ،والإذعان لدلالته :
وهو معنى مكمل للمعنى السابق ، وهو مقام أخلاقي وإيماني شريف يمثل لب دين الإسلام بالاستسلام للوحي يقول الإمام الزهري "من الله الرسالة ، وعلى رسول الله r البلاغ ، وعلينا التسليم "
وفي ذلك يقول الله I " ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه إلى الله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفاً " ويقول I "ومن يسلم وجه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور" ويقول I " بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ويقول " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" ويقول I " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " ويقول I " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم " ويقول I " يا أيه الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " ويقول I "الم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم " ومن لا يسلم لقول الله ورسوله r فيه شبه من المنافقين " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" " الم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا ، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً " " وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا" " فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم "
3ـ صدق اللجأ إلى الله وتطلب هدايته :
الهداية للحق بيده سبحانه " ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني اهدكم .... "[1] " اللهم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم "[2] .
قال ابن تيمية : " فمن ظن أن المعرفة والإيمان يحصل بمجرد عقله ونظره واستدلاله كما تقول القدرية كان ضالاً "  وقال أيضا " وقد يكون الرجل من أذكياء الناس وأحدهم نظراً ويعميه عن أظهر الأشياء ،وقد يكون من أبلد الناس وأضعفهم نظراً ويهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه فلا حول ولا قوة إلى به /فمن اتكل على نظره واستدلاله أو عقله ومعرفته خٌذل "[3]
وقال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية : وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك ، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول : يامعلم ابراهيم علمني ويكثر الاستعانة بذلك "
وقال أيضا : وكان بعض السلف يقول عند الافتاء : "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " ، وكان مكحول يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . وبعضهم يقول : رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، وبعضهم يقرأ الفاتحة وجربنا ذلك ــ أي ابن القيم ــ فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة .
والمعول في ذلك كله على  حسن النية والقصد
218

المبحث الرابع : الاستدلال العقدي .. البنية والمنهج

أولا: تحقيق التصور السليم للمسألة محل البحث :
فلا يتعجل الاستدلال قبل تمام التصور للمسألة محل البحث ، فقد لا يطابق الدليل المستدل له ، أويضيق عن استيعاب المسألة أو يتسع فيشمل أموراً خارجه . كمن يستدل في مسألة الإعذار بوصف المشركين بالشرك ونحو ذلك .


ثانياً : فرز مصادر الاستدلال : 
1ـ من جهة الاعتبار وعدمه : فلكل مجال معرفي مصادره الاستدلالية فللعلم التجريبي مصادره ولعلوم التاريخ مجالها ... وهكذا ...
والمصادر الشرعية المعتبرة هي : الوحي (كتاباً وسنة ) والإجماع والعقل والفطرة .
ومن المخالفات في مصادر الاستدلال عدم اعتبار خبر الواحد في أمور العقدية وادعاء أنها لا تفيد اليقين ، او اطراح الدليل العقلي جملة ، وهو متضمن في الدليل الشرعي .
حكم الاستدلال بما لا تعلم صحته من الأحاديث :
قال شيخ الاسلام ابن تيمية " الاستدلال بما لا تُعلم صحته من لا يجوز بالاتفاق قإنهقول بلا علم وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع"
أي الأدلة يٌقدم في الدلالة على غيره السمعي أم العقلي :
ليس هناك نوع دليل مقدم على غيره ، والمعتبر قوة الدليل ا لمعني فالقطعي مقدم على ا لظني مطلقاً ، ويمتنع أن يكونا قطعيين ومتعارضين ، وإن كانا ظنيين فيقدم الراجح منهما .

ثالثاً : ضبط العلاقة بين مصادر الاستدلال :
1ـ السعي في جمع الأدلة هي الطريقة الشرعية المعتبرة برد المتشابه إلى المحكم وتفسير الظني في ضوء القطعي .
2ـ من المسائل العقدية ما يمثل الدليل العقلي والفطري أصلاً معتمداً كإثبات وجود الله سبحانه أو مبدأ النبوة واحتياج الخلق للرسالات ،وقد أورد أدلتها القرآن في غير ما موضع كقوله سبحانه " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ؟ " فالدليل العقلي مضمن في الآية ، والاستشهاد على الخلق بما نراه من النبات بعد المطر أو خلق الكون منتشر مبثوث في القرآن .
3ـ الأدلة العقلية تدل على الاعتقاد بطريق الإجمال لا التفصيل ، فالعقل يدل على مباينة الخالق للمخلوق وعلوه عليه ، اما العرش واستواؤه عليه فلا يعلم إلا من طريق الوحي .
4ـ التكليف الشرعي وما يترتب عليه من ثواب وعقاب لا يكون إلا بالشرع وحدة كما قال سبحانه " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" وكما قال سبحانه " رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون لناس حجة بعد الرسل " " تكاد تميز من الغيظ كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها الم يأتكم نذير " .

رابعاً : أدوات فهم الدليل الشرعي (كيف يُفهم الدليل الشرعي ؟ ) ص 234
يُفهم بأصلين الأول : العلم بأصول الخطاب العربي 
  والثاني : معرفة أقوال السلف الصالح .
أما الأول فاعتبار اللغة العربية ومعهود الأميين وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم واعتباره أساساً لفهم الكتاب والسنة والوحي جاء باللسان ا لعربي المبين كما ورد في غير ما آية من كتاب الله ، والإخلال بهذا الأصل من أعظم أسباب الخلل قال أيوب السختياني "عامة من تزندق بالعراق لقلة علمهم بالعربية" وقال ابن تيمية "فصاروا يحملون كلام الله ورسوله على مايدعون أنه دال عليه ولا يكون الأمر كذلك"
وأما الثاني فلما حبى الله الصحابة من ملكات عقلية ونفسية وروحية ، ولما كان لديهم من الديانة ، والإحاطة بالعربية ، ومشاهدتهم التنزيل .
قال ابن القيم " لا ريب أنهم كانوا أبر قلوباً وأعمق علماً ، وأقل تكلفاً .... الخ"
مستويات الأخذ عن الصحابة رضي الله عنهم :
1.     ما أجمعوا عليه لزم الأخذ به  .
2.     عدم الخروج عن أقوالهم عند وقوع الخلاف  فالحق محصور فيه .
3.     الالتزام بهديهم وأصولهم في الفهم والاستدلال .
239
خامساً : جمع الأدلة الشرعية في المسألة العقدية المبحوثة :
لا تتضح المسائل والأحكام حتى تستوفي جميع النصوص الواردة فيها ، فكلها خرجت من مشكاة واحدة ، ولذلك جاء الأمر بالأخذ بجميع شرائع الإسلام "يا أيه الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" وقال سبحانه "آمنا به كل من عند ربنا" فلا يجوز أن يؤخذ نص ويترك آخر "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" .
وعندما سمع رسول الله r نفراً من الصحابة يقولون : ألم يقل الله كذا وكذا ؟ وبعضهم يقول : ألم يقل الله كذا وكذا ؟ فخرج كأنما فقئ في وجهه الرمان ،فقال " بهذا أمرتم أو بهذا بعثتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، إنما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا ، إنكم لستم مما ههنا في شيء ، انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به ، والذي نهيتم عنه فانتهوا "[4]
قال ابن تيمية "فهذا الحديث ونحوه مما ينهى فيه عن معارضة حق بحق ، فإن ذلك يقتضي التكذيب بأحد الحقين أو الاشتباه والحيرة ، والواجب التصديق بهذا الحق و هذا الحق ، فعلى الإنسان أن يصدق بالحق الذي يقوله غيره ، كم يصدق بالحق الذي يقوله هو ، ليس له أن يؤمن بمعنى آية استدل بها ويرد  معنى آية استدل بها مناظره ، ولا يقبل الحق من طائفة ويرده من طائفة ولهذا قال الله "فمن أظلم ممن كذب على  الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين "
فلا يكفي لاستنباط حكم عقدي الاعتماد على نص شرعي واحد ولو كان صحيحاً وإغفال النظر في النصوص الأخرى المتناولة للمسألة ، فالقرآن يفسر بعضه بعضا ، ويُحمل بعضه على بعض حتى يصح إدراك معانيه ، وكذلك الحديث النبوي فرب لفظة مشكلة ترد مفسرة في مكان آخر وقد يكون لفظ في  حديث عام يخصص حديث آخر أو مطلقاً وله مقيد .
وإذا تأملت العقائد البدعية وجدت أن مدخل المشكلة فيها عائد إلى الاقتصار في عملية الاستدلال على بعض الوحي دون بعض ، كموقف الوعيدية والمرجئة والجبرية والقدرية والمعطلة والممثلة .. .
241

سادساً مراعاة دلالة السياق في عملية الاستدلال :

لا يصح الاستدلال اجتزاء المسألة دون النظر والتأمل في سياق النص ، إذ السياق يضفي على اللفظة معنى لا يتحصل بالنظر المجرد عليها ، فمع أن قرب الله لعباده وقربهم منه سبحانه ليس ممتنعاً عند السلف فليس كل الفاظ الإتيان والمجيئ دالة على ذلك ، فإن كان في موضع دل عندهم على أنه هو يأتي ففي موضع آخر دل على أنه يأتي بعذابه كما في قوله سبحانه وتعالى "فأتي الله بنيانهم من القواعد" وقوله سبحانه "فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا"
فمن المواضع ما يتفق أهل العلم على المعنى العقدي بمراعاة السياق ومنها ما يقع فيه قدر من الاختلاف لتباين النظر في الدلالة السياقية كخلافهم في إثبات صفة الهرولة .
وتأمل طرق الكلامية في تأويلهم لبعض الصفات في معزل عن السياق ليوافق المعنى المسبق عندهم مثلاً في تأويل قوله تعالى في معنى اليد "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " بالنعمة أو القدرة ، أو تأويلهم للفوقية في قوله "يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون" بفوقية  القهر ، أو تأويلهم الإتيان في قوله " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك" بأن الإتيان بعض آياته التي هي أمره فيأبى ذلك التقسيم والترديد والتنويع .
وكتأويل اليد بالنعمة في قوله تعالى "لما خلقت بيدي" فالسياق يأباها ، فإن كانت العرب تطلق اليد على النعمة كما قال ابن مسعود للصديق : لولا يدلك عندي لم أجزك بها لأجبتك . ولكن وقوع اليد في هذا التركيب الذي أضاف الفعل سبحانه إلى نفسه ثم تعدى بالباء التي هي نظير كتبت بالقلم وهي اليد فهذا مما يحيل تأويل اليد في النص بالنعمة وإن كانت في تركيب آخر تصلح لذلك .
وذكر المؤلف مواضع أخرى تركتها اختصارا ولوضوح بطلانها .
248

سابعاً : التنبه إلى لوازم العملية ا لاستدلالية :

كثيراً ما يكون للدليل لوازم أوسع دائرة مما يريده المستدل ، كاستدلال بعضهم لعدم وقوع نسخ التلاوة بأنه يلزم من إثباته البداء على الله والبداء باطل ، فلزم منه عدم تجويز النسخ أصلاً والحق أنه غير لازم لا في هذا ولا في هذا وإنما الغرض التمثيل .
فالمؤولة إذا نفوا المحبة والرضا والغضب والسخط عن الله ــ سبحانه ــ بدعوى أنه تشبيه بالمخلوق وأولوها بإرادة الثواب والعقاب لزمهم ما هربوا منه من تشبيه فالمخلوق يريد أيضاً ، (والواجب إثبات الصفة كما اثبتها لله لنفسه من غير تشبيه) .
249

ثامناً : دفع الاعتراضات عن الاستدلال العقدي :

من تمام الوفاء لعملية الاستدلال تلمس الاعتراضات عليه إما من المخالفين أو من النظر الذاتي ، ثم الجواب عليها ، وهي أمارة صدق المستدل وتطلبه للحق ، وليس من تمام الجدية علم الباحث باعتراض وتركه دون جواب ، ولا ينفعه  الابتهاج بتحريك المياه الراكدة ثم هو يتمنع عن أداء واجب النقاش . وليس من الوفاء للقضية أن يستجلب في كل مرة نفس الأدلة ولا يجيب على نقاش المعترضين فليس المقصد تكثير سواد الأدلة .
فليس من المعقول أن يناقش المستدل على فكرة هيمنة الشريعة وإلزاميتها مثلاً على سوق طائفة من أدلة "عدم الإكراه" من جنس "لا إكراه في الدين" و "لست عليهم بمصيطر" ويعرض تمام الإعراض عن أدلة الإكراه بالحق مثل" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون لدين كله لله" وسيرة النبي r وصحابته وفتوحاتهم ومحال الإجماع من الفقهاء على العقوبات على فعل المعاصي وترك الواجبات والحدود التي أمر الله بها .
252

المبحث الخامس : الاستدلال العقدي ... التقنية والآليات

هذه جملة تقنيات لا تدخل في صلب عملية الاستدلال لكن لها أثر قوي في نفسية المتلقي وهي الصق بالقوالب .
1ـ الحزم الدلالية : وهي تعني جمع الأدلة على شكل حزم ومجموعات كل مجموعة تنتظم موضوعاً محدداً بحيث يتم ضم النظير إلى النظير  .
2ـ حشد الأدلة : فحشدها له أثر في نفسية المتلقي فإن لم يقنع بهذا قنع بذاك ، وحشدها يبين مدى أهمية العملية المستدل لها ، ولكن ليس على حساب الأدلة الصحيحة ، فذكر الأدلة الضعيفة يكون مدخلاً للمخالف فيظن بأدلته كلها .
3ـ ترتيب الأدلة بحسب الأقوى : فيقدم الأشرف فتعرض أدلة ا لقرآن ثم السنة ثم الإجماع ، ويقدم الأدلة الأكثر إحكاماً وقوة فهي أكثر أثراً على المتلقي وأقصر إلى حصول المطلوب
257

الورقة الرابعة : صناعة الرد العقدي : تميم بن عبدالعزيز القاضي


هذا البحث محاولة لتبيين أبرز المعالم التي من شأنها أن تضيئ لمجاهد الحجة والبيان مساره في الجهاد وتنظم له خطة الزحف والنزال ومناطق الظرب والقتال وتباعده عن أن ينكشف في قتاله للعدو أ أو أن يصاب بمقتل يجرحه أو يرديه ، وهي مراحل سأستحضر فيها الرد على أهل الباطل البدعي الكفري ، إلا أنها تصلح لكل من قصد النقد العملي للمخالف ولو كان خلافه سائغاً  ، بل ولو كان في أمر غير شرعي .

ماذا عن نهي السلف عن مجادلة أهل الباطل :
لما انتشرت البدع وراجت بين العامة تغيرت وجهة أهل العلم ، وقال ابن مفلح عن نهي الإمام أحمد أنه منسوخ وأورد قول الإمام أحمد "قد كنا نأمر بالسكوت فلما دُعينا إلى أمر ما كان بد لنا أن ندفع ذلك ، ونُبين من أمره ما ينفي نه ما قالوه ، ثم استدل لذل بقوله تعالى "وجادلهم بالتي هي أحسن "
وثمة أحوال يتوجه فيها عدم الرد ومنها إن كانت البدعة في مهدها والرد سيشهر البدعة أو صاحبها . أو إذا كان الرد سيسبب لبساً على الناس ويفتح عليهم أبواباً من الشر والشبه ، فمتى كان الرد سيترتب عليه مفسدة أعظم كان درء المفسدة مقدم .
وثمة أحوال يتوجه فيها الرد ومنها : إنتشار البدعة ورواجها بين الناس ، وعدم قيام من يكشفها ويبينها ، أو رجاء هداية المردود عليه ، وكشف اللبس عنه ، ولذلك ناظر ابن عباس الخوارج واهتدى منهم من اهتدى وكشف زيف بدعتهم .
279

المبحث الثاني : الرد العقدي ... الضوابط واللغة


أ ـ ضوابط إيمانية وأدبية
1ـ تصحيح النية : فيكون قصده إحقاق الحق .
2ـ العدل والإنصاف مع المخالف : بالإقرار بما في كلامه من صواب ، فضلاً أن يفتري عليه مقالة أو يقوله مالم يقل .
3ـ التحقق من ثبوت النقل عن الشخص المعين (سبق ضوابط ذلك ) في الورقة السابقة .
4ـ أن لا يتعصب الراد لقول شيخه أو مذهبه ، قال الشافعي "ما كابرني أحدٌ على الحق ودافع ، إلا سقط من عيني ، ولا قبله إلا هبته واعتقدت مودته .
5 ـ عدم التكلم بالرد عند من لا يبلغه عقله ، أو من يكون عليه فتنة من صغار طلبة  العلم فضلاً عن العوام ، قال عليه t "حدثوا الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب الله ورسوله " وقد يصير ذلك فتنة لبعض السامعين "
6ـ التمييز بين نقد القول ونقد القائل ، فإذا حكم الراد على قولٍ ما بأنه كفر فلا يلزم أن يكون قائله كافر . حتى تثبت الشروط وتنتفي الموانع .
ب ـ  ضوابط علمية عامة :
1ـ تحرير محل النزاع ، وتمييز المتفق عليه من المختلف فيه
2ـ التمييز بين أنواع المخالفين ، فأكثر مسائل الاعتقاد مسائل إجماعيه ، ولكن هناك مسائل دون ذلك ، فيكون المخالف غالطاً لكن دون درجة الابتداع ، وقد يكون مرجوحاً له درجة من النظر ، وقد وقع شيء من ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم . والمقصود عدم التسوية في الرد على المخالفين .
3ـ أن لا يكون دور الراد دور المدافع فحسب ، بل لا بد أن يقرن دفاعه بموقف هجوم وقدح في مآخذ مذهب المخالف وأدلته .
284

المطلب الثاني :

أ ) لغة ومصطلحات الرد :هل يرد على المخالف بالأسلوب الشرعي ووفق الأصول أم يتماهى مع مصطلحاته؟

التوسط ــ بل التحدي ــ أن يجمع بين الأمرين فيظل محافظاً على أصوله العلمية ومنهجه المتميز ، واذا انتقل لمعالجة منهج المخالف يتنزل للغة مخالفه ليبين فسادها في ذاتها ، لأن ابطالها في ذاتها أبلغ في النقض .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية "وذلك أن هؤلاء المعارضين إذا لم يخاطبوا بلغتهم واصطلاحهم فقد يقولون إنا لا نفهم ما قيل لنا ، أو أن المخاطب لنا والراد علينا لم يفهم قولنا " الى أن قال "فإن كانت الفاظهم مجملة قال لهم : ما تريدون بهذه الألفاظ فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق عليه القرآن قبلت ، وإن فسروها بخلاف ذلك ردت "
وان امتنع عن موافقتهم بألفاظهم نسبوه إلى العجز والانقطاع ، وإن أمكن نقل معانيهم إلى العبارة الشرعية كان حسنا ، وإن لم يمكن مخاطبتهم إلا بلغتهم فبيان ضلالهم ودفع صيالهم عن الاسلام بلغتهم أولى من الإمساك عن ذلك لأجل مجرد اللفظ .
وبعض الناس ممن تعود على الطريق الطويلة والمقدمات الخفية ينتفع بالدليل الخفي ما لا ينتفع بالدليل الواضح الجلي .
ومن هنا نخلص إلى أن أحكم الأوجه أن تعرف المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة ثم تعبر عنها بالألفاظ التي يفهمها المخاطب
287

ب) أسلوب الرد شدة ولينا :

ما يطرح عادة في هذا الجانب يغلب عليه الطرح المجمل الذي يميل إلى جانب واحد هو الرفق واللين ولذا أحببنا التفصيل
·       مبدأ الشدة واللين مبدأ شرعي لا استحسان نفسي / ورد عن النبي r في كثير من خطبه وكذا الصحابة والتابعين .
·       الضابط في اختيار الشدة واللين المصلحة الشرعية المعتبرة فهي نوع من العقوبة من جنس الهجر .
·       الأصل هو الرفق واللين لقربه من قلب المخالف وكسب وده وتقبله للحق ، ويصار إليه عند التردد في موجبي الإغلاظ واللين وتنازع المصالح .
·       يٌخطئ من يلزم أسلوباً واحداً فلا ترى من صاحب الشدة إلا قوله تعالى "واغلظ عليهم" ولا ترى من صاحب اللين إلا قوله تعالى "وقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى"
·       ولكلٍّ من المقامين محددات ليست ثابتة كالقواعد النحوية أو الفقهية ولكنها تقريبية ترجع للاجتهاد المصلحي
1.     ذات الغلط : هل فيه مناقضة لقطعيات الشرع ، أو صدر منه ظلم بيِّن ، أم الخلاف سائغ أو في مسألة فرعية لها دليلها ، ومنطلق المخالف شرعي لا اتباع فيه للهوى .
وينبغي التفريق بين مقام الاستحقاق ومقام الخطاب ويشهد له ما روته عائشة رضي الله عنها قالت استأذن رجل على رسول الله r فقال : بئس اخو العشيرة ، فلما دخل الان له الكلام ، قلت : يا رسول الله قلت الذي قلت ثم النت له الكلام ؟ قال : "أي عائشة ، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه" ، فقوله : بئس أخو العشيرة اشارة لمقام الاستحقاق ، والانته الكلام اشارة لمقام الخطاب . فذمه كان بقصد التعريف بحاله ، وتلقيه بالبشر لتأليفه او لاتقاء شرِّه .
293

المحدد الأول : الهدف من الرد على المخالف :

1.     إن كان المخاطب ذات المخالف بقصد هدايته واصلاح غلطه فالمغلب اللين لأنه الأصل والأقرب لقلوب البشر ، والنفوس جبلت على قبول من يُحسن إليها "فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى " وفي مقام آخر قال له "وإني لأظنك يا فرعون مثبورا"
وقد يُصار إلى غيره إذا كانت المخالفة عظيمة أوالراد والمنكر ذو ولاية ، أو يدين للناصح بالاتباع كأحد أبنائه أو طلابه ، وشاهده مخاطبة الرسول r لأسامه حين قتل من قال لا إله الا الله محتجاً أنه قالها تعوذا .
2.     إن كان الخطاب موجهاً لأتباع المخالف والمعجبين به
وله هدفان :مباعدة الأتباع عن البدعة والغلط بكشف زيفها ، ومباعدتهم عن متبوعهم خصوصاً إذا كان رأساً في الضلالة.
أما إن كان على جادة الحق وأخطأ فلا يكون إلا الهدف الأول . فيغلظ في وصف البدعة  و لا يغلظ في وصف صاحبها.
3.     أن يوجه الرد لعموم الناس فيقرن الغلط بما يناسبه من شدة ولين حسب المصلحة ، ولا يذكر صاحبه سيراً على قاعدة "ما بال أقوام"
4.     أن يوجَّه الخطاب لخاصة المنكر وطلابه فيُستحضر حديث عائشة رضي الله عنها "بئس أخو العشيرة " فالخطأ شيء والمخطئ شيئ آخر .
296

المحدد الثاني : مرتبة المخالفة ونوع الخطأ :

·       إن كان خلافاً لفظياً كالاختلاف في الألفاظ ، أو اختلاف تنوع سائغ كالخلاف في المصالح الدعوية أيها أولى ؛ فهذا لا يستدعي الرد أصلاً .
·       وإن كان اختلاف تضاد سائغ ؛ أدلته محتملة : كالخلاف في المسائل الفقهية فيكون نقاشاً علمياً مؤدباً .
·       وإن كان خلافاً غير سائغ استبانت أدلته واتضح خطأ المخالف ، مثل : خلاف الحنفية في النكاح بلا ولي ؛ فهذا يُنكر عليه في المسألة و لا يضلل صاحبه ولا يبدع .
·       وإن كان خلافاً (مبنياً على الاختلاف في مناهج التلقي ، وطريقة الأخذ منها ويترتب عليه آثار كبيرة) مثل خلاف الخوارج أو الفلاسفة القائلين بقدم العالم أو غلاة المتصوفة أوالجهمية والمعتزلة والرافضة ؛ فهذا يُضلل صاحبه أو يُبدع أو يكفّر بحسب بدعته وضلالته ، (إلا أن يرجى هدايته لجهلة بما يترتب عليه قوله فهذا يوضح له أولاً) .
·       ومن الضلالات التي انتشرت في الأزمنة المتأخرة الاكتفاء بالوصف وعدم الحكم على القول مهما عظم فُحشه وأثره بدعوى الموضوعية والحياد ، دون الإشارة لشناعتها وفُحشها ؛ وهذا خطأ إذ فيه التسوية في الخطاب بين البدعة والسنة والإيمان والكفر ، وتضييع لأمانه وتلبيس على الناس .
300

المحدد الثالث : حال المخالف المردود عليه :

·       فمن قلَّت أغلاطه ولم تفحش مخالفته كان خطاب اللين هو المقدم ، ومن كثر غلطه أو كانت مما يبدع صاحبه استدعى من التأنيب ما يناسبه .
·       هل هو عالم أو جاهل : فالعامي الجاهل يُرفق معه ما لا يرفق مع العالم ، إلا إن كان العامي ممن تقّحم مراتب العلماء وجادل في دقائق الأمور وتعصب لأقوال لا يدريها
·       ويختلف كذلك فيمن حاله القبول وقصد الحق ومن ظهر من حاله المكابرة والإعراض والظلم .(وذكر المؤلف شواهد ذلك من القرآن ) .
·       ويختلف كذلك في كونه مجاهر ببدعته أم مخف لها ، وهل هو يدعو لها أم لا ؟
304

المحدد الرابع : اعتبار الزمان والمكان

فالأماكن والبلدان التي انتشر فيها العلم وظهر بين الناس ، يختلف عن البلدان والأماكن التي انتشر فيها الجهل والبدعة والضلالة .
305

المحدد الخامس : اختلاف حال الراد من حيث منزلته عند المردود عليه

فقد يكون المردود عليه من شيوخ الراد ، (أو لمنزلته ووضعه بين قومه فلا يحسن الرد إلا بالحسنى )
307

المبحث الثالث : صناعة الرد العقدي 

(الفهم ، النقد ، نقد النقد ، تنقيح النقد )

1ـ الفهم العميق والتحليل الدقيق لقول المخالف وحججة

سنتكلم عن أهمية الفهم ثم المنهجية المقترحة لهذا الفهم .
مع الأسف كثير من الردود بنيت على تصور قاصر لقول المخالف ودليله ، فقوِّل أقوال ما لم يقولوا بل ما صرحوا بنفيه .
وينبغي أن يكون الفهم للمخالف كما يقوله هو لا كما يقوله مخالفوه .
فيقرأه قراءة تأمل وتحليل ، ويعيد القراءة المرة بعد المرة ، ليصل إلى الفهم العميق لحقيقة مذهبه .
وهي على مرحلتين : فهم عميق وتحليل دقيق .وكل واحد منهما يتناول قول المخالف ودليله المخالف .
الأمر الأول : منهجية الفهم العميق لقول المخالف ودليله :
أن يكون الراد فاهماً للغة المردود عليه ومصطلحاته التي يستخدمها ، وقد يستدعي أن يتعلم اللغة العلمية للمردود عليه كتعلم مبادئ المنطق أو لغة أهل التصوف والعرفان ، ولا يكفي فهم المفردات بل  لا بد من فهم المباني والتركيبات ، ويأتي بطول المراس والقراءة من كتب المخالف على يصل إلى العلم بمراده على التمام .
وفيما يلي بعض الضوابط المعينة على ذلك :
الضابط الأول : لزوم معرفة المذهب العقدي الذي ينتمي إليه المخالف وأصول مذهبه المقالية والاستدلالية .\
فهل هو ضمن مدرسة اتضحت مناهجها وأصولها ، أم له طريقته الخاصة واستدلالاته .
وهناك أمران لا بد منهما : 1ـ معرفة مصادر الاستدلال عند المخالف ، وما الذي يقدمه عند التعارض ،وهل يعتمد النص أم العقل أم الذوق والإلهام أم الحس أم غير ذلك ، وما مرتبة الاجماع وأقوال السلف عنده ... وغير ذلك .
2ـ معرفة منهج استدلالاته أي آلياته وأدواته هل هو ظاهري في الاستدلالات أم تأويلي أم متفلسف أم معتمد على التفسير بالكشف والذوق .
الضابط الثاني : الفهم التفصيلي ثم الاجمالي لكلام المخالف :
1ـ فيدرك كل معلومة على حدة . 2ـ ثم المعنى المباشر الكلي . 3ـ ثم يلمح القواعد الكلية التي يكثر الكاتب من ذكرها وتأصيلها . 4ـثم منهجية الكاتب في الاستدلال واللغة العلمية وأنواع المخالفين عنده وهل يختلف موقفه باختلاف الأشخاص 5ـ يجمع النظير إلى نظيره ويلمح الافتراق والاختلاف وربط القضايا التي بينها ارتباط ولو كان بعيداً 6ـ النظر في مقالاته أو كتبه الأخرى عندما تكلم عن نفس القضية ، فكثيراً ما ينجلي الموقف عندما نقارن الكلام بعضه ببعض ، خصوصاً إذا كان بعضه قيل في زمن أو ظرف معين .
الضابط الثالث : لزوم الاعتبار لمذهب الشخص القائل :
قال ابن القيم : والكلمة الواحدة يقوله اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل ويريد الآخر محض الحق ، ومثال ذلك قول الزمخشري عند قوله تعالى "ورضوان من الله أكبر" ... والكرامة أكبر أصناف الثواب . فمن عرف مذهب الزمخشري الاعتزالي عرف أن كلامه يتطابق مع نفيه لرؤية الله سبحانه وتعالى ، ومن قرأ العبارة مجردة من معرفة مذهبه لم يلحظ فيها مأخذاً واضحا.
الضابط الرابع : مراعاة اختلاف المراد بالمصطلح حسب القائل والزمن المقولة فيه والفرقة التي ينتمي اليها :
فيأتي الغلط عند حمل مصطلح متأخر على مصطلح متقدم
الضابط الخامس : وجوب مراعاة الغايات :
فلا تفسر كلمة على معنى يناقض تلك الغاية أو يخالفها وإن كان اللفظ محتملاً لها .
الضابط السادس : لزوم التنبه لتلبيس المخالف في عرضه للقول والاستدلال :
وقد درج أهل الباطل على هذا السلوك ويصعب حصر طرقه قال الله تعالى "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون" ، ومن أمثلة ذلك تبني المخالف لمذهب متوسط بين الحق والباطل تستراً على بدعته قال الله تعالى " الم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك .... " الى قوله " ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إحساناً وتوفيقا" ويقول سبحانه " ... ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ، اولئك هم الكافرون حقا.. "
ولم ينتشر هذا المسلك كانتشاره في هذا الزمن والله أعلم ، ويوهم متبنيه أن منهجه هو المنهج الوسطية الذي جاءت الشريعة بمدحه .
أما الوسطية الممدوحة فهي الوسطية بين الغلو والجفاء ؛ وبين الإفراط والتفريط ؛ أما وسطية الليبراليين ومن نحا نحوهم فهي وسطية بين الحق والباطل وكل ما عدا الحق فهو باطل  ؛ فوسطيتهم المزعومة باطل جديد . " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ً.
ومن حيل المبتدعة حذف قسم من الأقسام في مسلك (السبروالتقسيم) ليلزموا المخالف بأحد المسالك ومن ذلك قول الجهمية : هل القرآن هو الله أم غير الله ؟ فمن قال هو الله قالو: كفر ، ومن قال : غير الله ، قالوا : كل ما سوى الله فهو مخلوق . ويجاب عليه بأن القرآن كلام الله وكلامه صفة من صفاته مثل : عزة الله وسلطانه وقدرته لا يقال لشيء منها هو الله بعينه وكماله ولا غير الله ولكنها صفات من صفاته .
وقد أورد المؤلف وفقه الله جملة من الأمثلة لتفطن الإمام الدارمي ـ رحمه الله ــ لبعض حيل المبتدعة وكشفه لباطلهم ومرادهم الخفي وتلبيسهم على العامة بأمثلة جميلة لا يتسع مقام الاختصار لذكرها .
334
أمور ينبغي التنبه لها :
الأمر الأول : معرفة موقف المخالف من مذهب الراد وأدلته :
فنعرف منزلة النصوص عنده ، ومنزلة كلام الصحابة والسلف عنده ومدى احتجاجه بأحاديث الآحاد ، فلا نستدل عليه إلا بما يقر به دليلاً صالحاً ، وإذا أردنا أن نستدل عليه بغيرها لا بُد أن نبرهن عليه بصحتها قبل ذلك . فلا نستدل على الرافضي مثلاً بحديث في الصحيحين .
الأمر الثاني : التمييز بين القول ودليله :
وستفاجأ ــ أيه الكريم ــ بدعاوى العلمانيين والليبراليين العظيمة التي لا دليل ولا برهان عليها وبكثرة ما يهوشون على الإسلاميين دون برهان .



الأمر الثالث :
أن تميز بين المتفق عليه مع المخالف والمختلف فيه ، فتخرج المتفق عليه من دائرة النقد وتركز على المختلف فيه وقد قال الله سبحانه وتعالى  "وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ،قل إن الله لا يأمر بالفحشاء ، أتقولون على الله ما لا تعلمون" فلم يحكم على جملتهم بالفساد بل أبطل الثانية .
الأمر الرابع : أن لا يسقط الراد الأمر الجزئي ويترك الكلي الذي بنى عليه المخالف مذهبه :
فنفي المعتزلة لصفة الكلام مثلاً عن الله ـ سبحانه ـ لا ينفصل عن نفيهم للصفات المعنوية جميعها ، ونفي الأشاعرة لصفة النزول لا ينفك عن أصلهم الكلي وهو : نفي الصفات الفعلية الاختيارية ، وكلام العلمانيين والليبراليين عن قضايا المرأة لا ينفك عن أصلهم الكلي وهو الحرية الشاملة    الخ ...
فالرد على الأصل يسقط الجزء تبعا ، ومعرفة أصول المخالف مما ينبغي لمن تصدى للرد معرفتها وعدم الانشغال بالأمور الجزئية دونها ، ولا يقتنع المخالف بإسقاط الأمر الجزئي والأمر الكلي ما زال مقتنعاً به إذ هذا من التناقض
الأمرالخامس : التفريق بين القول ولازم القول :
ينبغي أن يُعلم ــ كما مر معنا في ورقة سابقة ـ أن لازم القول ليس قولاً للمخالف ، فإن كان اللازم كفرياً لا نحكم على المخالف بالكفر وكذلك إذا كان بدعياً ونحو ذلك ، فلا نثبت القول لهم فضلاً على أن نجري أحكامه عليهم ، كما يفعل الجهال والظلمة ، لكن على الراد اثبات هذا التلازم ليبرهن على ابطال القول .
الأمر السادس التفريق بين الدليل الاعتمادي والدليل الاعتضادي :
لا يعتمد المبتدعة على ما يعتمده أهل السنة من أدلة وأعظمها القرآن والسنة وإنما يعتمدون على غيرها مثل : أقوال أئمتهم وإذ ذكروا  القرآن والسنة فعلى سبيل الاعتضاد لا على سبيل الاعتماد ،ومما يبين ذلك أنه لو سقط استشهاده بدليل القرآن والسنة  لم يتخل عن قوله بخلاف ما إذا سقط دليله الاعتمادي ، وكثير من أدلة المخالفين في العقيدة أدلة فلسفية كلامية .
فمن الخطأ عند الرد على من ينفي رؤية الله الانشغال بأدلتهم الاعتضادية مثل استدلال المعتزلة بقوله تعالى "لن تراني" وقوله ـ سبحانه ـ لا تدركه الأبصار ، أو الانشغال عند الرد على مبتدعة القول بخلق القرآن على استدلالهم بقوله تعالى "الله خالق كل شيء" وقوله سبحانه " إنا جعلناه قرآناً عربياً" ، أو في الكلام النفسي عند الأشاعرة بقوله سبحانه " ويقولون في أنفسهم" أو قول الأخطل "إن الكلام لفي الفؤاد" ، أو في مسألة الاستواء عند الأشاعرة بقول الأخطل "قد استوى بشر على العراق"  ، أو اخراج المرجئة للعمل عن مسمى الإيمان بقول الله تعالى "ألا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وأن الواو تقتضي المغايرة .
ومن مفاسد الانشغال بالرد على الأدلة الاعتضادية عن الاعتمادية : إعطاء المخالف مسحة شرعية وأنه ينطلق في اعتقاده من أدلة الكتاب والسنة وأن الخلاف مجرد في فهم المسألة وهل "لن" لتأبيد النفي أم لا ؟ وهل "كل" للعموم دائماً أم تستلزم المغايرة . فتختزل القضايا الكبرى التي أراق أسلافنا سيوف الجهاد وصبروا وصابروا وسُجنوا وقتلوا وصنّفوا والفوا في مجرد خلاف على قاعدة نحوية ، وربما كان هذا التبسيط للخلاف مما جعل كثير من المثقفين وأنصاف المتعلمين يعتذرون لأهل البدع ، وينسى الراد أن المخالفين بنوا مذاهبهم إما على أقوال فلاسفة اليونان كدليل الحدوث والتجسيم ، أو بنوها على نظريات الغرب أو الشرق وأرادوا تطبيقها على المسلمين  
ولذلك ترى ابن تيمة ـ رحمه الله ـ جعل جهده الأكبر على نقض تلك الأدلة التي بنى عليها الخصوم مذاهبهم كدليل الأعراض وحدوث الأجسام ودليل التجسيم ومبدأ تقديم العقل على النقل ولم يغفل عن أدلتهم التابعة .
·       ومن أسباب الإعراض عن الدليل الاعتمادي ما يلي :
1.     العرض التلبيسي الذي يقوم به المخالف فيلبس بدعته لبوساً شرعياً فيعرض عن ذكر دليله الاعتمادي لمعرفته بنكير الناس له .
2.     ومنها أن الطرق الاعتمادية طرقاً طويلة عويصة تحتوي مقدمات كثيرة وفي كل مقدمة منها خلاف فيعرض عنها المتصدون لها غالباً إما رغبة عن الانشغال بها ، أو عجزاً عن تفهما ومعالجتها ، أو عدم ادراك لمكانتها الاستدلالية عند المخالف ، أو رأفة بالطلاب ووقاية لهم عن أن يخوضوا في غمارها ولما يشتد عودهم ونحو ذلك . فهربوا من محذور ووقعوا في محاذير لا تقل عنها.
3.     ضعف التربية العلمية العميقة في الفهم والتحليل .
4.     قلة النماذج المعاصرة التي يتفطن أصحابها لهذا النوع من التفريق بين الأدلة .
·       والمذهب الحق في ذلك أن يبين الحجج الاعتمادية ويتتبعها بالرد ، ثم يذكر الحجج الاعتضادية ويرد عليها كذلك ، فإن لم يتيسر له ذلك لأمر ما فالواجب عليه أن يبين لطلابه ان اعتماد المبتدعة ليس على النص وإنما على أدلة بدعية فلسفية ورثوها من ملاحدة اليونان وانتقلت للمسلمين عبر زنادقة التجهم والرفض والاعتزال
353
وقفة مهمة :
دقة فهم السلف رحمهم الله لمراتب الخلاف وعدلهم بين اصناف المخالفين ، فقد يقول القول اثنان يشنعون على الأول ولا يشنعون على الثاني ، لأن الأول بنى كلامه على أصول غير شرعية بينما الثاني يعتمد على الأصول الشرعية ولكن التبست عليه قاعدة لغوية ، أو سوء فهم لدليل شرعي .
ومن أمثلة ذلك مخالفة حماد بن سلمه وأبي حنيفة رحمهم الله في دخول العمل في مسمى الإيمان حيث اشتبهت عليهم بعض النصوص التي توهموا دلالتها على إخراج العمل عن مسمى الإيمان .
وكذلك الامام ابن خزيمة في حديث الصورة فقد كان مأخذه نصياً لغوياً لا مأخذا كلامياً .
ومثل نفي صفة الهرولة عن الله سبحانه وتعالى فمن أهل السنة من لا يثبتها من هذا النص وإن كان يثبت الصفات الفعلية لله سبحانه وتعالى ، أو ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسيره لقول الله تعالى "يوم يكشف عن ساق" بأن المراد به الشدة ولم يكن مأخذه كلامياً بل لغوياً بحتا ، أما المعتزلة والأشاعرة والكلابية فهم ينفون الصفات عن الله سبحانه وتعالى اعتماداً على أدلة الحدوث والأعراض ، فنفوا غيرها من الصفات كصفة المجيء والنزول والإتيان ونحوها . وأما من نفاها من أهله السنة فكان نفيه بعيداً كل البعد عن هذا إذ فهم من السياق المقابلة بين مشي العبد إلى الله والذي لا يلزم منه أن يكون مشياً بالحركة ، فقالوا : هو كناية عن عظم الثواب وسرعته . ولذلك لم يجدوا حرجاً في إثبات الصفات الأخرى ، وكان غايتهم التوقف عن اثباتها فلم يحكموا بامتناعها .
ويدخل في ذلك تبعاً من لم يثبت اسماً أو صفة لله سبحانه وتعالى اعتماداً على عدم صحة الدليل عنده أو ضعفه أو ورود احتمال لغوي أو سياقي يصرفها ، كمن لم يثبت صفة النفس لله سبحانه اعتماداً على الآية "ويحذركم الله نفسه" أو الجنب اعتماداً على الآية "أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله" وجعل المراد منها التفريط في حق الله وجهة الله .
360
المرحلة الثانية : النقد (الرد على قول المخالف وحججة ) :
فبعد أن يفهم كلام المخالف ويميز مركبات كلامه وأجزاءه ينتقل بعدها إلى مرحلة الرد الأولي .
·       فينظمه نظماً شجرياً :
·       فيحدد حقيقة القول كما أراده صاحبه
·       ثم حججه العقلية والنقلية
·       ثم يحدد آثار قوله ولوازمه سواءً التي التزمها او نفاها أو سكت عنها .
·       ويستصحب في ذلك كله أصلي الرحمة والعدل .
وقبل الشروع في الرد يبين الراد حجته ومذهبة
·       فيبين المسألة التي يريد أن يرد على مخالفه فيها (كمسألة النزول مثلا)
·       ويبين أصل مذهبه الذي تفرعت منه مسألته (كإثباته للصفات الفعلية )
·       ويبين دليله الجزئي على مسألته ؛ كأحاديث النزول .
·       ويبين أصله الاستدلالي الكلي وهو اعتماده على نصوص الوحي .
ومقدار الإطناب والإسهاب يختلف بحسب المقام فقد يُسهب أو يكتفي بالإشارة .
362
وللرد مقامين : مقام الرد على قول المخالف ومقام الرد على حججه :
المقام الأول : الرد على قول المخالف :
وحيث سبق عند ذكر تحليل كلام المخالف أن يميز الراد أصله المقالي العام (مثل نفي الصفات ) ، ومقالته الفرعية (مثل نفي صفة الكلام) ، ولازم مقالته وما التزم به أو نفاه أو سكت عنه ، فما كان حقاً وصواباً بينه ولا يستطرد فالمهم أن يخرجه من دائرة النقد .
أما ما كان مخالفاً فيقوم بما يلي :
1.     يبين أن قول المخالف دعوى بلا برهان وترجيح بلا مرجح .
2.     يبين مناقضته للأصول الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة .
3.     يبين مناقضة قول المخالف للعقول السليمة والفطر المستقيمة ؛ كبيان أن علو الله سبحانه وفوقيته ضرورة فطرية .
4.     أن يبين بدعية قول المخالف ولم يكن معروفاً عند السلف . وقد يحاجج بعض المخالفين فيقولون : اثبتوا أن قولكم أنتم هو قول السلف ؟ فيقال لهم كما قال الإمام أحمد رحمه الله : اسكتوا نسكت ، أي لو تركتم أدلة الكتاب والسنة على ظاهرها كما يفهما عوام الناس لسكتنا ، ولما جاز للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم أن يسكتوا عن البيان لو كان غير ظاهر النص هو المراد .
5.     أن يبين اللوازم الفاسدة لقوله سواءً التزمها المخالف أو لم يلتزمها .
6.     أن يبين الآثار الفاسدة لقول المخالف .، فمن آثار عقيدة الإرجاء  الزهد في مقام العبادات العملية ، وفي عقيدة الجبر : الركون عن إقامة شرع الله والاحتجاج بالقدر على ذلك وترك الجهاد ، وفي القول بخلق القرآن التزهيد فيه وأنه مخلوق كغيره من المخلوقات يعتريه النقص والخطأ ؛ ولا يلزم أن تظهر هذه اللوازم عند قائل القول بل تظهر بعده .
7.     بيان مناقضة قول المخالف للأصول التي اعتمدها المخالف كالعقل وغيره ؛ كقول الجهمي : الله ليس داخل العالم ولا خارجه .
8.     أن يكشف تناقض المخالف في أقواله ؛ كما قال سبحانه وتعالى "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا"
9.     أن يبين أن قوله مناقض لقول أئمته الكبار الذين ينتسب إليهم ؛ كما ناقض متأخري الأشاعرة أقوال ابو الحسن الأشعري ومتقدمي أصحابه .
هذه بعض الأوجه وتختلف من مقالة لأخرى .
369
المقام الثاني : الرد على حجج المخالف : (وتضمن توطئة واربعة مطالب )
تضمن علم الجدل العديد من أوجه الرد على المخالف ، وقد يتبدى لك وجه أو وجهان في الرد فإذا ما استعرضت ما تضمنه علم الجدل بدا لك عشرات الأوجه ، وهذا ما يفسر ما نقرأه من كتب الأئمة الكبار من قوة في الرد .
(من كتب الجدل المُيسّرة : آداب البحث والمناظرة :محمد الأمين الشنقيطي ، علم الجذل في علم الجدل : نجم الدين الطوفي )
فيبدأ الطالب بتعلم العلم ثم التدرب عليه فيأخذ الشبهة ويرد عليها ويقارن رده برد العلماء ، ثم ينتقل إلى دور التطبيق فيتناول شبه المخالفين من كتبهم ومقالاتهم ويعرض كل دليل على ما تعلمه من الطرق وتدرب عليه وينظر ما يستقيم له منها ، ويعرض رده على زميل ناصح أو طالب علم .
فبالتعلم ثم الدربة ثم التطبيق تتكون الملكة النقدية فيصل إلى طور تتزاحم عليه الردود في مخيلته وتترتب فور سماعه لشبه المخالفين
فيبدأ بالأدلة الاعتمادية الكبرى ويطيل النفس فيها والنظر؛ فهي خليقة بذلك ولا يفرغ جهده في العرض ويترك أساس المرض .
أ)فإن كانت المقدمة صحيحة أقر بها ؛ وانتقل لما يليها ، وإن كانت باطلة ــ وهي محل النقد ــ نقدها بما يمكن من القوادح الجدلية .
ب) وإن كانت باطلة وليست موضع النقد لم يقر بها وقال (وعلى التسليم بصحتها فالجواب التنزلي كذا وكذا ... ) كمن يستدل بحديث ضعيف ولا يكون دالاً على مقصوده فيبين الراد ضعف الحديث ثم يقول : وعلى فرض صحته فإنه لا يدل على مطلوبك .
فيبطل الادلة الاعتمادية ثم يعرج على الأدلة الاعتضادية فيبطلها .
374
المطلب الأول : قوادح الاستدلال : (كل ما يورده المستدل على كلام المستدل )
ولتسهيل توضيحه نشبهه بقائد الجيش فهو إما يضع ما يمنع الجيش المقابل من الوصول إليه من خندق أو سور أو الغام (قادح المنع) أو يقابله بجيش أقوى منه (قادح المعارضة) .
وفي البداية لا بد له من معرفة سبب توجههم ومقصدهم (سؤال الاستفسار) ، ثم يسأل عن هذا الجيش وما يملك من قوة وعتاد مع البرهان والدليل (سؤال المطالبة) ، ولا يخلو هذا الجيش من أن يكون قاصداً لنا أو لغيرنا ونحن على طريقه فنتأكد من ذلك وهو(سؤال التقسيم ) ،  ولا تخلوا أسلحته أن تكون أسلحة حديثة أو قديمة ضعيفة (وهو قادح : فساد الاعتبار) ، وقد يكون الجيش فشل سابقاً في مدينة مشابهة لقوة مدينتنا فمني بهزيمة (وهو قادح : النقض ) ، ولعلنا علمنا من مصادرنا أن الجيش الغازي مضطرب وبه انشقاقات لا (وهذا قادح : الاضطراب ) ، فإذا افترضنا أن الجيش الغازي لديه قوة كافية ويقصدنا مباشرة فالخيار الأمثل أن (نقلب طريق سيرهم لمملكة أخرى أو ندعوهم لمذهبنا ) وهو غاية الغايات فيكرون لمدينتهم التي قدموا منها غازين ، (وهو قادح : القلب )
380
المطلب الثالث : ما ترجع اليه قوادح الاستدلال :
ترجع لقادحين : المنع والمعارضة
1ـ صحة مقدمات دليله ليصلح للاستدلال .
2ـ سلامة دليله عن المعارضة
381
المطلب الرابع : تفصيل القول في قوادح الاستدلال العقدي : (وهو لب البحث ) :
القادح الأول : الاستفسار (وهو الطلب المعترض من المستدل أن يبين لفظه ، لئلا يبني رده على معنى غير مراد . فلا يكون لفظاً مجملاً ولا غامضاً غريباً ، مثل لفظ الإرادة فقد ورد في الشرع بمعنى الإرادة الكونية القدرية (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا )  وورد بمعنى الإرادة الشرعية (والله يريد أن يتوب عليكم ) ، فنستفسر منه أي ارادة يريد  ؟
384
القادح الثاني : المطالبة :
 وهو أن نطب من المعترض علة الحكم ، أو الأصل الجامع بين الأصل والفرع .(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
385
القادح الثالث : فساد الاعتبار :
وهو بيان أن دليله وإن كان صحيحاً في ذاته إلا أنه غير معتبر في هذا المكان . مثل بعض القياسات الفاسدة . أو معارضة الدليل الشرعي بدليل غير شرعي كالعقل والكشف والذوق ... من الأدلة غير المعتبرة . ومن الأمثلة التي رد عليها القرآن (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ، قالوا : أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ....) .
أو قياس ابليس حكم السجود على مادة الخلق .
ومن أوجه فساد الاعتبار أن يكون الحكم مما لا يمكن إثباته بالقياس أصلاً : في أبواب الغيبيات ، كإثبات حكم متعلق بالله سبحانه بقياس التمثيل كأقيسة المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين ، حيث أوجبوا على الخالق ما رأوه واجباً على المخلوق .
ومن أوجه فساد الاعتبار التسوية بين ما فرق الشرع بينه كالتسوية بين التوسل الشرعي والبدعي أو الشركي .
387
القادح الرابع : فساد الوضع وهو اقتضاء نقيض ما علق به :
حينما يستدل المعترض بدليل في واقعه دليل عليه وليس له وهو قريب من قادح : القلب .
فإن كان الدليل لا يدل على ما استدل به عليه (سمي المنع ) ، وإن دل على نقيض ما استدل به (سمي فساد الوضع )
388
القادح الخامس : المنع :
وهو من أشهرها وأكثرها استعمالا ، وهو : منع إفادة دليل المخالف لحكمه . مثل استدلاله بدليل من القرآن لا يؤيده تفسير الصحابة أو التابعين أو لا تؤيده استعمالات اللغة العربية .
ودليل السنة النبوية مثلها وتزيد بأن يرد على من استدل بحديث آحاد في مجال اعتقاده وهو يرد دليل الآحاد جملة ، مع أن أهل السنة يستدلون بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
398
القادح السادس : التقسيم :
والمراد منه أن يقسم المعترض قول المستدل أو دليله على احتمالات متعددة ومحصورة ثم يتوجه إلى كل قسم منها بالإبطال ، ويجعل مطلوب المعترض على القسم الباطل .
مثل أن يقول : ماذا تريد بقولك هذا ؟ إن أردت كذا فمُسلم ، وإن أردت كذا فباطل  . أو يقول : كلامك يحتمل أمرين الأول: كذا وهو ممنوع ، والثاني: كذا وهو حق لكنه لا يفيد مطلوبك .
ومن الأمثلة : نفي الحوادث عن الله سبحانه وتعالى ، فهذا المصطلح لم يرد في الكتاب والسنة فإن أردت به نفي الأمراض والنقائص عن الله فهو حق ، فإن الله منزه عنه كما نزه نفسه عن السنة والنوم ، وإن أردت أنه لا يحل في ذاته في شيء من مخلوقاته فهو حق أيضاً ، وإن أردت أنه لا يحدث له وصف متجدد لم يكن له من قبل ؛ أي أنه لم تحدث له صفة لم يكن متصفاً بأصلها من قبل فنفي ذلك حق أيضاً ؛ وإن أردت بنفي الحوادث نفي الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئته وقدرته فهو باطل والأدلة متظافرة على اثباتها لله سبحانه .
ويشترط للتقسيم أن يكون اللفظ محتملا للمعنى المراد ،وأن يكون حاصراً لجميع الأقسام المحتملة للفظ 
402
القادح السابع: النقض:
وهو أن يستدل المعترض بدليل يكون هو نفسه ناقضه في مسألة أخرى؛ ومن شروط العلة الاطراد؛ كما قال الله سبحانه عن اليهود "وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل إلينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم؛ قل : فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم صادقين" فاحتجوا بأنهم لا يؤمنون إلا بالرسل التي ترسل لهم خاصة ؛ فرد الله عليهم : حتى الرسل التي أرسلت لكم خاصة قتلتموهم ! فبطل استدلالكم بهذه الحجة.
ومنه قوله تعالى "فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما اوتي موسى، اولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل !!" ومنه قوله تعالى "الذين قالوا لإخوانهم لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين "
ومن أمثلته في العقيدة استدلال أهل السنة على الجهمية والمعتزلة في مسألة خلق القرآن بقوله تعالى "إنا جعلناه قرآنا عربيا" وزعموا أن معنى جعلناه خلقناه ، ورُدّ عليهم بقوله سبحانه "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" "وجعلها كلمة باقية في عقبه" وكلها ليست بمعنى (خلق) .
وكذلك احتجاجهم بقوله سبحانه "الله خالق كل شيء" والقرآن شيء ؛ رُدّ عليهم بقوله سبحانه "تدمر كل شيء" ولم تدمر السموات والأرض ولا مساكنهم "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم" ؛ وقوله "وأوتيت كل شيء" مع أن ملكة بلقيس لم تؤت ملك من أملاك الأرض كثيراً .
ومثله من أثبت بعض الصفات وأنكر بعضها فاستدل عليه بما أثبت على ما أنكر .
407
القادح الثامن: القلب
وهو قلب دليله عليه؛ فبدل أن يكون دليلاً له يصير عليه ، فعندما يستدل المعتزلي على نفي رؤية الله سبحانه بقوله تعالى "لا تدركه الأبصار" يقال له أن الآية نفت إدراك الذات الإلهية وهو الإحاطة والعلم وأثبتت ما دونه وهو الرؤية ؛ والإدراك أعم وأشمل من الرؤية .
أو ينفي المعطل بعض الصفات بدعوى التنزيه ؛ فيعترض عليه السني أن مقتضى التنزيه اثباتها لا نفيها .
ومن أمثلته في القرآن "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنو ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون"
413
القادح التاسع: المعارضة :
وهو مقابلة المخالف للمستدل بمثل دليله أو بما هو أقوى منه ؛ فإذا كان الدليلان معتبران فينبغي على المستدل أن يجمع بينهما ، أو يجيب على النص الذي اورده المخالف ، ليحفظ الأدلة من شبهة التعارض . كبيان شذوذها أو نسخها او الجمع وهو الأولى إن أمكن .
416
القادح الحادي عشر : القول بالموجب :
وهو التسليم بالدليل مع منع المدلول ، مثل رد تعالى عن قول المنافقين "يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " وهو قريب من قادح القلب ، فهما يشتركان في أن ما استدل به المخالف يدل على حكم آخر ، ويزيد القلب أنه يبين أنه الدليل يدل على حكم آخر في نفس المسألة .
ومن أمثلة القول بالموجب رد الرسل على قومهم المنكرين لبشريتهم "إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده" فسلموا ببشريتهم وخالفوهم في الاستدلال ، فالبشرية غير مستلزمه للاتباع ولكن المستلزم للاتباع أمراً آخر ، فالدليل إذا صح لا يمكن دفعه ويبقى بيان انحرافه عن محل النزاع .
فإذا استدل معطل بالتنزيه على نفي الصفات أثبت السني أن التنزيه بإثبات الصفات لا بنفيها . وإذا استدل المعتزلي على التوحيد بنفي الصفات بين السني أن التوحيد لا يدل على نفي الصفات لا في اللغة ولا الشرع ، ويطلق الواحد على من صفات متعددة ؛ كما قال سبحانه "ذرني ومن خلقت وحيدا ،وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ... "
420
القادح الثاني عشر : الاضطراب :
والمراد به عدم انضباط الوصف على الحكم المستدل به عليه فيكون مضطرباً غير صالح لتعليق الحكم عليه .
مثل تعليل رخص السفر بالمشقة فلا تنضبط ، أو الاعتماد على الكشف والإلهام في اثبات الأحكام .
422
القادح الثالث عشر : الفرق :
وهو ما يسمى (قياس مع الفارق) ،إذا الحق فرعاً بأصل لعلّة يزعم أنها مشتركة وليس كذلك ، ومن أمثلة ذلك قوله سبحانه "ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ، وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن ابراهيم لأواه حليم " فبين ان استغفار ابراهيم لأبيه كان لمعنى غير موجود في استغفاركم لآبائكم وذلك أن أباه وعده أنه سيؤمن  فاستغفر له بناء على هذا الوعد .
ومن أمثلة السنة قوله عليه الصلاة والسلام " هو لها صدقة ولنا هدية " ففرق بين الحكمين باختلاف الجهتين .
ومن الأمثلة في باب الاعتقاد: قياس التوسل بجاه الأولياء بتوسل الناس إلى الملوك ؛ فملوك الدنيا احتاجوا لمن يتوسل اليهم لجهلهم بحال الشخص أما الله فلا يخفى عليه خافية سبحانه وتعالى .
ومن أمثلته قياس الاستشفاع بالنبي بعد موته على الاستشفاع به بعد موته " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله غفوراً رحيما "
426
هذه بعض القوادح وكلما قدح في الدليل اتجه ايراده منها أو غيرها.
 ويسرد الراد كلما أمكنه من هذه الردود ؛ وقد يكتفي بأقواها إذا كانت قاطعة لقول المخالف .
ويستحسن أن يبدأ بالاعتراضات التي هي من باب المنع على الاعتراضات التي هي من باب المعارضة ؛ فالمنع بعد التسليم مستقبح.
ولعل في المناظرة يكتفي المناظر بأقوى الردود وفي التصنيف يفصل ما لم يفصله في المناظرة .
430

المرحلة الثالثة : نقد النقد (النظر للرد ونقده بعين المخالف )

لكي يُحكم الراد الجواب :عليه بعد أن يكتبه أن يتقمص شخصية مخالفه وينظر بعينه مستخدماً أجناس الأدلة والمعلومات التي يحتج بها وكأنه هو ؛ وينظر إلى المداخل والعيوب والتناقضات ، ويورد الاحتمالات ويكتب ردوده ويعدل في رده بناءً على ما يورده على نفسه ،ويكشف عن أغلاطه قبل أن يكشفها مناظره ،وكلما كان أكثر تقمصاً كان أقوى رداً ؛ ولذلك نجد أقوى الردود تأتي من أناس تحولوا عن مذاهبهم .
وقد يقوم الراد بعرض رده على بعض خاصته من طلاب العلم ، ويستفيد من آرائهم وملاحظاتهم .
وممن أتقن ذلك الإمام الدارمي عثمان بن سعيد رحمه الله لما له من علم بكتب القوم ، وقد رد على الجهمية وبشر المريسي برد مفحم قامع فريد . أما فارس هذا الميدان فهو شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ، قال عن نفسه وصدق "أنا أعلم كل بدع حدثت في الاسلام واول من ابتدعها وما كان سبب ابتداعها ) وقال (كل من خالفني في شيء مما كتبته فأنا أعلم بمذهبه منه ) ومن تميزه انه استخدم مصطلحات القوم ولغتهم مع محافظته على تميزه واستقلاله . ففي "بغية المرتاد" (السبعينية) استخدم طريقة متفلسفة الصوفية ، وفي "منهاج السنة " سار وفق منهج الرافضة في كثير من مراحله ؛ وفي "بيان التلبيس" و" درء تعارض العقل والنقل
435

المرحلة الرابعة : تنقيح الرد (العودة للرد وسد المداخل المحتمل ورودها )

وذلك بأن ترجع لدورك الأول وتعيد الكتابة لردك السابق مستحضراً ما دونته في مرحلتك الثالثة من أجوبة واعتراضات على ردك ، ومما استعمله العلماء قولهم : فإن كان كذا فالجواب كذا ، ولو قيل كذا فالجواب عنه كذا ..
ودرج علماء السنة على هذا المسلك خصوصاً بعد نشأة الفرق فقالوا في النزول مثلا نزولا حقيقياً ، فأضافوا حقيقة احتراساً ممن زعم المجاز ، أو قولهم : "يتصف بكذا على ما يليق به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل " ليقطعوا الطريق على رميهم بالتشبيه من المعطلة أو التعطيل من المشبهة .
وينبغي أن يتجنب الاحتراس المجمل والخاطئ ، ويتجنب الألفاظ التي لم ترد في الشرع فقد يرد عليها في اللغة أو الشرع معاني لا يريدها .
وقد ورد في القرآن في مواضع عديدة اجابات لإشكالات لم ترد مثل قوله سبحانه " قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون اليك رؤوسهم ويقولون متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريباً " وقوله سبحانه " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا .... " وقوله سبحانه " ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل : افرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ... "
ومن الأمثلة ا للطيفة قوله سبحانه وتعالى "وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل الينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم ، قل : فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ؟ ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون"
ففي قوله سبحانه "وهو الحق مصدقاً لما معهم" ذمٌ لليهود على تفريقهم بين المتماثلين فما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام مماثل لما أنزل على موسى عليه السلام وكل واحد منهما مماثل للآخر فلم تفرقون بينهما .
وفي قوله "فلم تقتلون أنبياء الله من قبل" رد على زعمهم أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم "
أما في قوله سبحانه "ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده ..." جواب استباقي على رد من الممكن أن يجيبوا به وقطع للطريق عليهم لئلا يقولوا : كل من قتلناه كان كاذبا ولم تثبت عندنا نبوته فلا نكون قد خالفنا ما أنزل إلينا ، فهب أن قتلكم الأنبياء لا يرد عليكم نقضا على جهة التنزل معكم في المناظرة فقد جاءكم موسى بالتوراة وأخذ عليكم أن تصدقوه وقد خالفتم ذلك وكذبتموه حيث اتخذتم العجل بعد أن ذهب لميقات ربه لأنه جاءكم بالتوحيد فعبدتم العجل وهذا صريح التكذيب .
ولعلك إذا كنت مستحضراً الاخلاص في ردك تكتشف غلط بعض ما كتبته فتحذفه أو تعدله .
واعلم أن قوة الرد ليس بطوله وبلاغته ولكن باستقامته وصحته ، وفي إيراد بعض الردود الضعيفة مستمسك للخصم فيرد عليها ويتجاهل حججك القوية زاعماً أنه أجابك ، فتحتاج لقدر من الشجاعة للتضحية ببعض الردود في سبيل المحافظة على الردود القوية .
443

الورقة الخامسة : صناعة الجدل العقدي . فارس بن عامر العجمي


سبب هذه الورقة :

تحقيق قوله تعالى "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وقوله سبحانه "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"
وقد وقع لبعض الأكابر ما لا يليق برتبهم في هذا الباب من الغلط ، كظن بعضهم أن هدف وغائية هذه الصناعة إنما هو إفحام الخصم والزامه ، مما اوجب بيان هذه الصناعة وآدابها ، ومن أمثلته ما وقع لأبي حامد الغزالي رحمه الله إذ قال في كتابه التهافت "فلذلك أنا لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا مدخل مطالب منكر ، لا دخول مدع مثبت ، فأبطل عليهم ما اعتقدوه مقطوعاً بإلزامات مختلفة  .... الخ " وقال أيضاً "نحن لم نخض في هذا الكتاب خوض ممهد ، وإنما غرضنا أن نشوش دعاويهم وقد حصل" وإن كان مقصده حسن وباعثه فاضل إلا أنه ليس المسلك الحسن ، والواجب الاعتراف بالحق الذي معهم ، وإبطال ما معهم من الباطل ، كما قال سبحانه "إن الله يأمركم بالعدل والإحسان" وكما قال سبحانه أيضا "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وكما قال أيضا "يا أيه الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ولذلك تعقبه ابن رشد الحفيد فقال "فإنه لا يليق به هذا الغرض وهي هفوة من هفوات العالم فإن العالم إنما قصده طلب الحق لا إيقاع الشكوك وتحيير العقول" .
ولذلك قال ابن تيمية "وليس لنا أن نرد على الفلاسفة ولا غيرهم بالجدل المحض الذي لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً ، فإن هذا من الكلام الذي ذمه السلف ... والله ذم الجدل بالباطل وذم الجدل في الحق بعدما تبين كما ذم الجدل بغير علم  .... وهذا كما أنه محرم في الدين منكر في العقل فمضرته أكثر من نفعه .... والمقصود من الجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا ، وأن يكون الدين كله لله ، فإن لم يكن قولنا صدقاً وعملنا خالصاً لله ، وإلا لم يقبله الله منا ، وقد ثبت في الصحيح أن قيل لرسول الله " الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله ؟ فقال "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " فلم يقبل الله الجهاد إلا أن يكون المقصود به أن تكون كلمة الله هي العليا ،فكيف الكلام والمناظرة في أصول الدين ؟
ومن ناظرهم بجهل أو ظلم دخل معهم في بعض ما هم عليه من الظلم والجهل ... الخ كلامه رحمه الله .
ونقل المؤلف كلاماً طويلاً عجيباً لشيخ الامامة والحوزة "محمد بن رضا المظفر (ت 1383هـ) يتبين خلاله ظلاله في جانب المناظرة وأنه أبعد ما يكون عن إرادة الحق ،بل مجرد التشويش على الخصم" .
وقد ورد (6) ست آيات في سياق ذم الجدل و(4) أربع آيات في سياق المدح ذكرها المؤلف هي كما يلي :
"يجادلونك في الحق بعدما تبين ... " "وهم يجادلون في لله وهو شديد المحال" "... ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق " "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق" وفي السنة حديث أبي هريرة "المراء في القرآن كفر" .
أما الآيات التي وردت في سياق المدح او السكوت فهي :
"قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ...." وسمى فعل نوح نصحا فقال سبحانه على لسانه "ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم " وجادلهم بالتي هي أحسن" "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" " وقال صلى الله عليه وسلم "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم والسنتكم" قال ابن حزم وهذ حديث في غاية الصحة وفيه الأمر بالمناظرة وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة" .
أما المنهي عنه في الجدال فلعلة فاسدة كما قيد في قوله سبحانه "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" ؛ أو بقصد التشغيب "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق .." وقوله "يجادلونك في الحق بعدما تبين ..." ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال" فجادلوا بعد ظهور آيات الله وحججه الكونية .
فالجدل المذموم الجدل بغير علم أو الجدل بقصد التشغيب والتمويه نصرة للباطل "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " ، أما جدل المحقين فمن النصيحة " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " .، وقد حاج ابراهيم عليه السلام النمرود في ربه فبهت الذي كفر.
قال الخطيب البغدادي "وأما الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر ؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع إلى الأصول للحاجة إلى ذلك ، وليس الاعتقادات كذلك ،لأن ا لله عز وجل لا يصف إلا بم وصف به نفسه أو بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والمناظرة في العقائد لاستظهار العلم لا بأس بها كما قالت حفصة رضي الله عنها عندما سمعت رسول الله e يقول "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد ، الذين بايعوا تحتها" قالت : بلى يا رسول الله ، فانتهرها ، فقالت حفصة " وإن منكم إلا واردها " فقال e قد قال الله عز وجل "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا" .
ومن مجادلة أهل الباطل مجادلة ابن عباس t للحرورية ومناظرته لهم المشهورة ، وبها رجع الفان منهم ، وكذا مجادلة علي t لهم
تخريج نهي السلف رحمهم الله عن الجدال :
من أقوال السلف في النهي عن الجدال ما يلي : كان ابوقلابه يقول " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم "  ، وقال مالك "كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا منزل به جبريل على محمد لجدله " وقال عمر بن عبدالعزيز "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر من التنقل " وقال الفضيل بن عياض "لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله " وقال الإمام أحمد "من أصول السنة عندنا ... الترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال والخصومات في الدين " .
وللجمع بين الأقوال السابقة وما تم ايراده من فعل الصحابة وغيرهم نقول : إن كثيراً من مقالات الأعيان من السلف إنما هي بحسب ما يقع لهم من الأحوال في أزمانهم ، وما كان كذلك فهو شيء اضافي تعتبر فيه الأحوال التي قيلت فيه ؛ فهو مدفوع بالعارض أوالحال المعين المذموم فكما قال مالك رحمه الله "كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد e لجدله " فإنما ذم ترك ما جاء به النبي لمحض الجدل والخصومة لا للدليل ؛ وقول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل" فمن خصم وغلب رجع لمقالته والخصومة والغلبة تقع بغير الحق والقول الصدق . وقال عبدالرزاق لما دعاه إبراهيم بن أبي يحي أن يدخل معه الحانوت حتى يكلمه "لا أدخل معك قال : لم ؟ قال : لأن القلب ضعيف وإن الدين ليس لمن غلب " فبرر عدم دخوله معه بضعف القلب ، فكل من علم من نفسه ضعفاً قد تدخل منه الشبه يحرم عليه المجادلة والمحاججة ؛ وبه نفهم أيضاً كلام ابي قلابه " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم " وقال ابن عبد البر : هذا عمر بن عبدالعزيز وهو ممن جاء عنه التغليظ في النهي عن الجدل لما اضطر وعرف الفلح في قوله ورجا أن يهدي الله به لزم البيان فبين وجادل " .
ومن مقاصد ترك جدال أهل الباطل تبكيتهم وإخماد بدعهم كما قال بشر بن الحارث  لا تجالسوهم ولا تكلموهم وإن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ، كيف يرجعون وأنتم تفعلون بهم هذا ؟ يعني الجهمية .
ومن ترك جدالهم خشية ظهور بدعهم وانتشارها : ولذلك قال الذهبي عن قول الليث "بلغت الثمانين ،وما نازعت صاحب هوى قط " قال الذهبي "كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث ومالك والأوزاعي والسنن ظاهرة عزيزة ، فأما في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد فظهرت البدعة وامتحن أئمة الأثر ورفع هل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة... " .
قال ابن تيمية : في درء التعارض : والكلام الذي ذموه نوعان ..... وذكر النوع الثاني فقال : أن يكون فيه مفسدة مثلما يوجد في كلام كثير منهم من النهي عن مجالسة أهل البدع ومناظرتهم ومخاطبتهم والأمر بهجرانهم ، وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم فإن الحق إذا كان ظاهرا قد عرفه المسلمون وأراد بعض المبتدعة أن يدعوا إلى بدعته فإنه يجب منه من ذلك .... والمسلمون أقاموا الحجة على غيلان ونحوه وناظروه وبينوا له الحق : كما فعل عمر بن عبدالعزيز t واستتابه ثم نكث التوبة بعد ذلك فقتلوه ، وكذلك علي t بعث ابن عباس إلى الخوارج فناظرهم ثم رجع نصفهم ثم قاتل الباقين " ثم قال : وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار . وقال أيضاً : وقد ينهى عنه إذا كان المناظر معانداً يظهر له الحق فلا يقبله وهو السفسطائي ، فإن الأمم متفقة على نهي مناظرة من تنتهي المناظرة إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم . الى أن قال : والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة ، أو فيها مفسدة راجحة فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال ، وأما  جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة أخرى ، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم ومفسدة ومصلحة وحق وباطل ومنشأ الباطل من نقص العلم أو سوء القصد .
474

الوظائف التي تنبغي للمجادل قبل الشروع :

منها وظائف تتعلق بالبحث ومنها ما يتعلق بنفسه ؛ فمنها :
·       أن يصحح نيته وقصده ، وأن يكون طالباً للحق قاصداً له ، فلا يروم تشغيباً أو صرف الناس له . قال ابن الجوزي في ذلك " فإن آنس منها الحيد عن الغرض الصحيح فليكفّها بجهده ، فإن ملكها وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس " .
·       ومنها قوة الدليل وصحته ؛ قال ابو الوليد الباجي "ولا يستدل إلا بدليل وقف عليه وخبره وامتحنه قبل ذلك ، وعرف صحته وسلامته ؛ لأنه ربما يستدل بما لم يمعن في تأمله ولا تصحيحه ؛ فيظفر به خصمه ويبين انقطاعه "
·       ومنها أن يتجنب إظهار العجب من كلام خصمه والتشنيع عليه في  جداله فإن ذلك يفعله الضعفاء ومن لا إنصاف عنده ؛قال ابن الجوزي "وإن زل خصمه فليوقفه على زلـله غير مخجل له .. فإن أصر أمسك إلا أن يكون الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين فينبههم على الصواب بألطف الوجوه جمعاً بين المصلحتين " .
·       ومنها أن يتجنب أسباب الغضب والضجر فإنه يورث البلادة ويقطع حدة الذهن وجودة الخاطر ... ولا يناظر حال الجوع والعطش أو الخوف والغضب ولا في مجلس تأخذه فيه هيبة ولا بحضرة من يزري بكلامه
·       أن يتجنب استصغار خصمه والاستهزاء به أو السخرية منه .
·       ألا يفاتح بالمناظرة من يعلمه متعنتاً ؛ لأنه يورث المباهاة والضجر وتعدي حدود الله ، ولا يناظر من لا ينصف نفسه .
·       الاختصار فيجهد في الاختصار ؛ فإن الزلل مقرون فيه بالإكثار ، وإن لم يكن ذماً للإكثار مطلقاً
477

تحرير محل النظر (محل النزاع) :

أول شيء ينبغي تحريره موضع النظر فيقع بين بعض الناس نزاع طويل وإذ تبينوا نهايته كان منتهاه إلى الألفاظ لا إلى ذات مسألة بعينها .
ولكي يتبينا ذلك عليهما تبيين معاقد الاتفاق أولاً ؛ ومثال ذلك احتجاج بعض الرافض بقوله e في الخبر الذي اخرجه الترمذي "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض " فليس بحجة إذا علمنا أن موضع النزاع مجموع أهل البيت وليس أفرادهم ، فمعلوم أن علياً t من أهل البيت وليس هو أهل البيت ؛ كما نقول أن الجدار من البيت وليس هو البيت .
480

من تحرير محل النظر : النظر في الأصول المتفرع عنها المسألة :

ففي مثالنا السابق قول الإمامية بأحقية علي t بالإمامة متفرع من أصلهم أن الإمامة منصب الهي كالنبوة يصطفي الله له من يشاء ، وهذا الأصل متفرع من أصل ثاني أن الإمامة لطف وهو فرع من أصل آخر أن اللطف واجب على الله ــ تعالى الله ــ وهو متفرع من أن التحسين والتقبيح هل هما شرعيان أم عقليان .
فالمقصود أن بحث مسألة فرعية قد يستدعي بحث أصلها ، قبل النظر فيها .
491

أهمية معرفة مسلمات الخصوم

بمعرفة مسلمات الخصوم تختصر كثيراً من الجدل ، ومن أمثلة ذلك استدلال الإمامية بأدلة القرآن على الإمامة مع قولهم أن الامامة ليس مدركها السمع بل العقل ، فيُرد عليهم بمسلماتهم ؛ وأدلة القرآن التي يستدلون بها "إني جاعلك للناس إماما " وقوله سبحانه "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"
505

صناعة الدرس العقدي  أ/ عبدالرحمن بن سعد الشهري


الدرس العقدي هو الوعاء الأهم لهذا العلم ومن أكثرها أثرا ومن ثم لا بد من تظافر الجهود لتطويره والعناية به .
والذي يستدعي إعادة النظر في واقع الدرس العقدي وتطويره ما يلي :
·       التقصير الواضح في إظهار دلائل الكتاب والسنة سواء في باب الدلائل أو المسائل ؛ ومثال ذلك ظن كثير من أهل السنة والجماعة يردون الدليل العقلي بإطلاق ولا يستعملونه أصلاً أو أنهم يحاربون الدليل العقلي ؛ ولو أمعنوا النظر في الكتاب والسنة لوجدوا الأدلة ا لعقلية مضمنة لهما كثيراً .
·       ضعف التصدي لما هو جديد من نوازل عقدية .
·       تضخيم الحديث عن مسائل عقدية مع اهمال غيرها مع أنها أكثر أثراً في واقعنا .
·       ضعف لغة التحليل العلمي فيها ؛ وغلبة طريقة التلقين ، وغلبة طريقة النقل مما يخرج لنا جيلاً يغلب عليه نقل المعلومة دون فهمها وحقيقة آثارها .
·       غياب جملة من العلوم المهمة التي لا بد أن تكون حاضرة في الدرس العقدي كعلم الجدل وعلم المناظرة ومقدمات المنطق الصحيحة دون الفاسدة .
·       دوران الدروس العقدية حول متون معينة وكتب محددة مع أهمية ما يدرس ولكن لا بد من إضافة جملة من الكتب لننهض بمضمون الدرس العقدي ؛ ومن هذه الكتب التي أرشحها ولم تعط حقها من الدرس العقدي : كتاب شرح الأصبهانية والرد على المنطقيين ؛ والمجلد الأول من درء التعارض ــ على الأقل الأول ــ وكلها لشيخ الاسلام ابن تيمية
·       خفوت الطرح المنهجي وضعف التركيز على البناء المنهجي في الدروس العقدية مقابل التركيز على تفاصيل المسائل وهي لا شك مهمة ولكن لا بد من التركيز أيضاً على الجوانب المنهجية سواءً عند أهل السنة أو مخالفيهم .
508
المقصود بتجديد الدرس العقدي :
الرجوع بالعقيدة وعلومها ووسائلها إلى أصلها الأول الذي كانت عليه في القرون الثلاثة الأولى وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم .
509
مستويات التجديد العقدي :
المستوى الأول : التجديد في المضمون ؛ ونقصد به تجديد ما اندرس من الدين عموماً وفي العقيدة خصوصاً ؛ وهو داخل في قول المصطفي e " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها أمر دينها " فهو بهذا المعنى واجب على الأمة بوجه العموم وعلى أهل الاختصاص العقدي بوجه الخصوص .
المستوى الثاني : التجديد في الوسيلة والآلة : فلا بد من ضبط العلوم على ما كان عليه السلف الأوائل من جهة ضبط العلوم الأصلية والمساعدة ؛ فتجد عند علماء السلف من اجتماع أصول عدد من العلوم ما يمكنه من الفهم الصحيح لدليل الكتاب والسنة وتنزيلها منزلها فقد ترابطت عنده العلوم الأصلية والمساندة فظهرت فاعليتها فيما يقول أو يكتب .
المستوى الثالث : استيعاب هذا العلم لما يستجد من مسائل عقدية تشمل تطورات العصر وقضاياه  وتأصيلها ، والاستدلال عليها بجميع الأدلة الصحيحة عقلية ونقلية من الكتاب والسنة والاجماع ... فلا يمكن أن تخلف بدرسنا العقدي عن كثير من قضايا العصر واحتياج مجتمع المسلمين ؛ ومن مقتضى ديننا وأمانتنا التي حُملناها يجب علينا أن نقدم الجواب الإسلامي للعالم في كل ما يحتاجه ؛ وأن تكون إجاباتنا حاضرة وناجزة ؛ وخاصة الأسئلة الكبرى حول الله والعالم والإنسان ، وقضايا الوجود والمعرفة وما يطرأ عليها من أسئلة واشكالات .
512

أصول التجديد وقاعدته :

1.     العودة إلى الأصل الذي كان عليه النبي e والصحابة رضي الله عنهم في فهم الدين ، وفي كيفية فهم هذا الدين أيضاً ؛ وهو ما يعبر عنه أحياناً ببات المسائل أو باب الدلائل .
2.     التصحيح وفق الأصل وتنقية العقدية مما شابها من انحرافات .
3.     الإضافة بما لا يتعارض مع الأصل فنحن بحاجة اليوم لإضافة بعض الوسائل المهمة وبعض العلوم التي نحتاج إليها في الدرس العقدي .
فخلاصتها (العودة إلى الأصل ، والتصحيح وفق الأصل ، وعدم إدخال مالا يتعارض مع الأصل )
514

أهمية تجديد الدرس العقدي :

ترجع إلى عدة أمور منها :
1.     من جهة الخبر الشرعي ؛ فالنبي e أخبر عن وقوع هذا التجديد ، وعليه فبذل الأسباب الشرعية للوصل لهذا التجديد مما دلت عليه نصوص الشريعة ،وبذل الأسباب طريق للمحافظة على هذا التجديد من أن يخرج عن مساره وينحرف .
2.     وسيلة من وسائل حفظ الدين وحفظ علم العقيدة بين الناس .
3.     من الضمانات لبقاء أصول الاستدلال على طريقة السلف .
4.     طريق لإعادة قيمة المنهج السلفي وأصالته العلمية والمعرفية .
5.     أهميته في التعامل مع الانفتاح الفكري والمعرفي الحاصل اليوم ، فظهر جيل من الشباب يتلقى من موارد أخرى ، والحاح الأسئلة عليه يجعله يتطلب جوابها في أي مصدر ، والأسبقية ستكون للمبادر في الجواب عن هذه الأسئلة .
6.     يعتبر أحد الأوعية المهمة لتقديم المنهج السلفي
7.     يعتبر من أهم الوسائل في تأهيل الكفاءات العقدية ، والعقليات الناقدة التي تتفاعل مع قضايا العصر وتملك القدرة والمهارة في حفظ العقدية والدفاع عنها .
515

آثار الإخلال بتجديد الدرس العقدي :

1.     غياب شيء من حقائق الدين والعقيدة فالدرس العقدي إذا حصر في مسائل معينة ولم يكن عاماً وشاملاً في دراسة القضايا العقدية أو غفل عن قضايا العصر العقدية ونوازله ، فلا شك أن ذلك سيكون سببا لغياب جملة من الحقائق وسبب للجهل بحكم الإسلام فيها .
2.     دخول الانحرافات سواء الانحرافات المنهجية والمعرفية أو الانحرافات في المسائل العقدية .
3.     التأخر في مواكبة قضايا العصر العقدية ، ومن أشهرها في الوقت الحاضر قضايا الالحاد .
4.     الخوف من أن يؤدي هذا الإخلال إلى فقدان الاقتناع بالعقيدة الصحيحة أو ضعفه .
5.     الضعف أمام المذاهب المنحرفة سواءً القديم منها أو الحديث ؛ خصوصاً إذا كان هذا المخالف ممن حصل أدوات المعرفة وضبطها ، مما يؤدي إلى ظهور الباطل بل وانحياز فئات من الناس إليه بعد نشأتهم في المحيط السلفي .
6.     فقدان القدرة على دراسة الأخطاء العقدية ونقدها بصورة علمية منهجية ، وهذا إذا لم نبادر إلى تكوين الشخصيات العلمية المنهجية والعقليات الناقدة التي تمارس دور النقد العلمي والمنهجي في دراسة هذه الأخطاء .
516

طريق تجديد الدرس العقدي :

هذه جملة من الإشارات ليس حاصرة فمنها :
1.     التأكيد على مسألة التأصيل العلمي البنائي وعدم اهمالها خاصة في ضوء الانفتاح على المذاهب والأفكار المنحرفة وسهولة الوصول إليها في ظل الانفتاح التقني ، ومن الأمور المهمة في جانب التأصيل العلمي ما يلي :
·       ضبط أصول منهج أهل السنة والجماعة في باب الاستدلال سواء من جهة مصادر التلقي أو من جهة الفهم والتفسير
·       الاطلاع على تفاصيل مذهب أهل السنة والجماعة في باب المسائل وإظهار أقوالهم وإبرازها في هذه الأبواب .
·       ضبط منهج اهل السنة والجماعة ومعرفة التمايز بينه وبين المذاهب المخالفة
2.     التركيز على دلالات النصوص الشرعية وإبرازها في الدروس العقدية وخاصة النصوص المحورية .
3.     إعمال علوم الآلة التي يُحتاج إليها في الدرس العقدي
                                   أ‌-         ولا يقصد هنا علم النحو فقط ؛ بل علوم الآلة عموماً وهذا من جهة الرجوع للسان العربي الأول وتذوق هذا اللسان وتفهمه .
                                 ب‌-        وتفعيل علم أصول الفقه وأصول الحديث والتفسير وغيرها من علوم الشريعة .
                                 ت‌-        وتدريس ملكة النقد ـ وكتب شيخ الاسلام تُكرس مثل هذا .
                                 ث‌-       إدخال العلوم التي نحتاج إليها في تطوير درسنا العقدي كعلم الجدل والمناظرة والمنطق وغيرها من مناهج البحث والتحليل المعاصره .
4.     معرفة أصول المخالفين وذلك بتتبع القول حتى نصل إلى أصله الذي بُني عليه ، فخلافنا مع المتكلمين مثلاً قائم على أصول متباينة ومتغايرة وليس خلافاً لغوياً كما يحاول البعض تسطيحه ، والخلاف مع الفكر الليبرالي ومن تأثر به في عدد من القضايا كالحرية والتعددية والمواطنة وغيرها لا يمكن أن يعزل عن أصوله الفلسفية و مرجعيته التي نشأ عليها في  الغرب .
5.     تحرير المصطلحات والتعريفات وبيان أصولها الفلسفية والفكرية وحمولاتها التي تضمنها كقضية العلمانية وقضية الطائفية فليس من التجديد نقل هذه المصطلحات من الحمولات الفكرية بل لا بد من الفصل والبيان .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

بحمد الله انتهيت من نقل هذه المقتطفات من كتاب صناعة التفكير العقدي عصر الثلاثاء 21/2/1440هـ فلله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطنا




[1] رواه مسلم
[2] رواه مسلم
[3] درء التعارض 9/34
[4] قال الأرناؤوط في تحقيق المسند إسناده حسن

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقتطفات من كتاب : شموع النهار (إطلالة على الجدل الديني الإلحادي المعاصر في مسألة الوجود الإلهي)لمؤلفه عبدالله بن صالح العجيري

مقتطفات من كتاب " فمن خلق الله ـ نقد الشبهة الإلحادية :إذا كان لكل مخلوق خالق فمن خلق الله ؟ ـ " لمؤلفه د/سامي العامري